تظاهرات الجامعات الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ليقفز القرش» هو تعبير تابع لثقافة البوب الشعبية الأميركية، وقد استُمِد من المسلسل الهزلي بعنوان «الأيام السعيدة»، الذي يعود لعام 1977، وهو تعبير يصف لحظة التراجع.

ففي مرحلة معينة، يصبح أحد البرامج التلفزيونية أمراً قابلا للتنبؤ به، وخاليا من الأفكار، ولافتاً للانتباه، بحيث سيحاول كاتب السيناريو، في لحظة يأس، فعل أي شيء، كقفز شخصية «ذا فونز» فوق سمكة القرش، وهي ترتدي الزلاجات المائية، وكل ذلك فقط لأجل إبقاء البث مستمراً.

لقد وصل المتظاهرون المعاصرون إلى تلك اللحظة، عندما أصبحت التظاهرات لغرض التظاهر وحسب، دون أي أجندة ثابتة للمعارضة.

وخلال منتدى عقد، أخيرا، في جامعة ماساتشوستس، تناول الاستقامة السياسية، ساهمت صيحات المتظاهرين من بين الجمهور في إسكات ثلاثة من الضيوف المتحدثين، ليجري نشر مقطع فيديو لإحدى المتظاهرات إبان صياحها، وبطريقة صراخ طفل في الثانية من عمره، أطلقت الشابة صرخة غضب، جهيرة، لتقاطع المتحدثين أثناء حديثهم، وتصدح بكلمات نابية: «أبقِ خطاب الكراهية الخاص بك خارج هذا الحرم الجامعي».

كيف يمكن لأحد إيقاف «خطاب الكراهية» من خلال الصراخ بكلمات بذيئة، مقاطعاً حرية التعبير في الجامعات؟ لقد أثبتت المتظاهرة الصبيانية حينها أنها توجهت للقيام، بفعل نابع من اليأس، عندما أنهت صراخها بالقول: «أوقفوا معاملتكم لنا كالأطفال».

وفي احتجاج لاحق في جامعة ييل، صرخ أحد الطلاب المنفعلين، وقام بفعل عشوائي نابع من اليأس، حينما لعن أحد أعضاء هيئة التدريس، كان جرمه أنه نصح الطلاب بعدم المبالغة في ردود أفعالهم إزاء ملابس الهالوين الصبيانية التي سيرتديها طلاب آخرون.

يحق للمتظاهرين معارضة المرشح الجمهوري دونالد ترامب طالما أنهم يفعلون ذلك بسلمية، ويحترمون حق حرية التعبير. إلا أن مفتعلي الفوضى انساقوا، أخيراً، خلال مسيرة ترامب بكاليفورنيا، للقيام بأفعال نابعة من يأسهم، عندما لوح البعض بعلم المكسيك.

وحملوا لافتات كتب عليها شعارات مثل «فلتحول أميركا للمكسيك، مجدداً»، ولو تم توجيه الاحتجاجات ضد تعهدات ترامب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى المكسيك، لكان هناك القليل من المنطق من ناحية صخب المحتجين على أمل عدم عودة المهاجرين لبلدانهم، أو اقتراح بلد جديد للمهاجرين، يتعين أن يكون مطابقا للبلد القديم الذي اختاروا تركه.

لقد طالب متظاهرون في جامعة ميسوري، خلال العام الماضي، بتقديم الجامعة لتنازلات عدة. ففي مكان عام، دعت ميليسا كليك، وهي أستاذ مساعد في قسم الاتصالات، لاستخدام «بعض القوة» للنيل من طالب صحافي كان يحاول تصوير تظاهرة عامة، ولم يكن ليتصور رسام كاريكاتور يميني سيناريو أكثر سذاجة، بالنظر إلى محاولة عضو هيئة تدريس من قسم الاتصالات في الجامعة منع أحد الطلاب، بصورة حقيقية، من تغطية قصة خبرية، في منطقة تسمح بحرية التعبير.

عرض شخص، خلال العام الماضي شريط فيديو حول صور ذاتية خاصة بأعضاء هيئة التدريس الأميركيين من أصل إفريقي في مبنى كلية الحقوق بجامعة هارفارد.

ووصفت عميد كلية الحقوق بالجامعة، مارثا مينو، الفعل، بشكل علني، بأنه عمل عنصري، وظلت متحفظة لاحقاً، عن الحديث عن نتائج التحقيق لمعرفة الشخص المسؤول.

إلا أنه عند استلام مارثا مينو، أخيرا، جائزة في جامعة برانديز، أجرى مجموعة من الطلاب فعلاً نابعاً من اليأس، من خلال مضايقتها بالأسئلة لعدم قيامها بما يكفي للتصدي للعنصرية في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وذلك على الرغم من تكريمها «لإسهاماتها الدائمة في العلاقات العنصرية أو العرقية أو الدينية».

حاولت مديرة جامعة براون كريستينا باكسون، تهدئة الاحتجاجات الطلابية من خلال وعدهم بإنفاق نحو 100 مليون دولار أميركي لضمان إيجاد «حرم جامعي عادل وشامل»، وبغض النظر عن ذلك، انساق المتظاهرون لفعل يائس عندما سخروا من مقترح براون الذي بلغت تكلفته 100 مليون دولار أميركي، والمسمى بـ «إجراء التنوع وخطة الشمول»، وقالوا عنه إنه «غير كافٍ».

لقد تجاوزت ديون الطلاب في أميركا المليار دولار. وبالمقابل، لم يتلق الكثير من الخريجين تعليما قادراً على المنافسة بما فيه الكفاية لتأهيلهم للوظائف ذات الرواتب العالية.

كما يبلغ عجز البلاد نحو ملياري دولار أميركي. بذلك لن تكون أميركا قادرة، في وقت قريب، على تحقيق التزاماتها فيما يتعلق بالتقاعد والضمان الاجتماعي. وعقب خفض الميزانية العسكرية، ورفع أسعار ضريبة الدخل، لا تزال البلاد تسير في عجز سنوي غير مستدام. ويصبح العالم الخارجي فوضويا على نحو خطير.

لذلك، بدلا من الاحتجاج على تلك الأزمات الوجودية، ينخرط الطلاب في النواح على أزياء الهالوين، والسخرية من حرية التعبير بوصفها خطابا للكراهية، والهجوم على الإداريين الليبراليين، ورفض نحو مئة مليون دولار أميركي باعتبارها دفعات أقل من اللازم.

لقد وصل الطلاب، أخيرا، للقاع، وافتعلوا أموراً من باب شعورهم باليأس. وسيتم النظر للصراخ القديم، من الآن وصاعداً، بالمرور في أزمة من الانفعالات الصعبة، بدلاً من تقديم أفكار متماسكة.

 

Email