ثنائية خطيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يذهب خبراء الإعلام والمتخصصون في المجال الإعلامي إلى أن الإرهاب لا يستهدف فحسب قتل الكثيرين، وإنما أيضاً أن يعرف الكثيرون بوجوده، وأن التأثير النفسي الذي يستهدفه الإرهاب يفوق في الكثير من الأحيان التأثير الفيزيقي والقتل، وإذا كان للإرهاب أدواته الإعلامية فإنه في حد ذاته أي الإرهاب إعلام، يستهدف الشاشات والإذاعات ومختلف وسائل الإعلام.

استناداً إلى هذه الخلفية يمثل النقاش والجدل العالمي الراهن حول المعالجة والتغطية الإعلامية للحوادث الإرهابية، مرحلة مهمة في تصويب الأداء الإعلامي، وتطوير المعايير الأخلاقية والمهنية التي يستند إليها الإعلام، بمختلف أشكاله ووسائله في التعامل مع قضية الإرهاب وجرائمه.

ورغم أن هذا النقاش يدور على بعد آلاف الأميال إلا أن تأمل مضمونه ومحتواه يجعله قريباً منا، ولا يمكن تجاهله أو النظر إليه باعتباره جدلاً يقتصر على الإعلام الغربي بل كل الإعلام غربياً كان أو شرقياً رغم اختلاف البيئة الثقافية والسياسية.

يتركز هذا الجدال والنقاش حول الحدود التي يجب الالتزام بها في التغطية الإعلامية لحوادث الإرهاب، التي تمتد لتغطي عواصم عدة غربية وغير غربية، وما إذا كانت هذه الحدود الراهنة تتيح نشر صور الإرهابيين وأسمائهم الفعلية والحركية، جنباً إلى جنب مع صور ضحايا الإرهابيين وعلاقة ذلك بانتشار الإرهاب وشهرة الإرهابيين؟!

وقد انقسم المشاركون في هذا النقاش من خبراء الأعمال والإعلام والمتخصصين، إلى فريقين، يرى الأول أن نشر صور الإرهابيين مع صور الضحايا بأسمائهم الفعلية والحركية، يفضي إلى وضع الإرهابيين على قدم المساواة مع ضحاياهم، ويساهم في زيادة شهرة الإرهابيين، والإيحاء بطريقة غير مباشرة ومن دون قصد في اعتبارهم قدوة تحتذى من قبل بعض الفئات من المرضى نفسياً والمولعين بالعنف والباحثين عن البطولة والشهرة، وتصدر صفحات الصحف الأولى وغيرها من وسائل الإعلام، فضلاً عن تأثير ذلك على «الذئاب المنفردة» أو ما يسمى «بالداعشية الكامنة»، أي أولئك الشباب المقيمين في الدول الأوروبية ويحملون جنسيتها من أصول عربية وأفريقية، أو أولئك الأوروبيين المتحولين حديثاً إلى اعتناق الديانة الإسلامية، والعديد منهم يمثلون الجمهور الاحتياطي «لداعش» والعديد منهم على صلة بداعش ودعايتها عبر المواقع المتطرفة والإرهابية على الشبكة العنكبوتية، أو على صلة ببعض المتطرفين في المساجد أو السجون التي ارتادوها لفترة من الوقت.

وينتهى هذا الفريق إلى رفض نشر صور الإرهابيين والاكتفاء بنشر أسمائهم والاكتفاء بالتحقيقات الاستقصائية حول حياة هؤلاء الإرهابيين والبيئات الاجتماعية التي نشأوا فيها وعلاقاتهم الاجتماعية وصداقاتهم التي أثرت فيهم وقادتهم إلى الانخراط في الأعمال الإرهابية. أما الفريق الثاني الذي يرفض هذا الموقف، فيرى أن هذا الموقف، أي عدم نشر صور الإرهابيين، يمثل نوعاً من الرقابة الذاتية، وأن عدم نشر أسماء الإرهابيين يمثل انتهاكاً لحق القارئ في المعلومات ويتعارض مع الحق في المعلومات.

النقاش لا يزال مستمراً، والمرحلة الراهنة منه انتهت إلى رفض بعض وسائل الإعلام نشر صور الإرهابيين والاكتفاء بنشر أسمائهم أو الأحرف الأولى من أسمائهم الحركية كما أشرنا ولكن النقاش لم ينته بعد، وربما يصل في مرحلة لاحقة إلى توافق حول المعايير والقواعد التي تضبط المعالجة الإعلامية لجرائم الإرهاب.

الحالة الإعلامية، عموماً، تعاني من مظاهر خلل واضحة، خاصة فيما يتعلق بالمعالجة والتغطية الإعلامية للحوادث الإرهابية، يبرز من بينها على سبيل المثال لا الحصر، خلط المعلومات بالرأي والمساهمة في شهرة بعض التنظيمات الإرهابية، ما كان من الممكن لهذه المنظمات والتنظيمات الإرهابية أن تحققها بدعايتها وجهودها الإعلامية وذلك على حساب المهنية والاحترافية وعدم الاستناد إلى مصادر موثوقة للمعلومات كأن تكون مصادر رسمية معرفة وليست مجهلة أو مواقع مشهود لها بالكفاءة والمصداقية وفق المعايير الدولية في هذا الصدد.

الإعلام دأب على نشر صور الإرهابيين جنباً إلى جنب مع صور ضحاياهم، وفي العديد من الحالات تحولت التقارير الإعلامية التي من المفترض أن تقدم للمشاهد معلومات عن خلفية الإرهابيين والبيئة التي نشأوا فيها لمساعدة جهات التحقيق في رسم صورة تقريبية لطبيعة الدوافع والمناخ الذي يحتضن الإرهاب، تحولت هذه التقارير إلى انتهاك خصوصية ذوي الضحايا وأهاليهم ومحاورتهم حتى انتزاع دموعهم على الشاشات وهو الأمر الذي لا يفضي فقط إلى عدم احترام الحق في الحزن وإنما أيضاً يبث الرعب والخوف في قلوب المواطنين ويقلل من إحساسهم بالأمن.

ومن أجل ذلك، فإن النقاش الذي أشرنا إلى محتواه ينبغي أن يكون ملهماً للإعلام بشتى وسائله بهدف التوصل إلى صياغة ميثاق شرف إعلامي يجنب الإعلام مخاطر الانزلاق في الترويج للإرهاب دون قصد.

Email