هيلاري والليبراليون الجدد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعيد الكثير من الانتخابات تحديد الأحزاب السياسية، وقد دفع بروز أجندة جورج ماكغفرن اليسارية المتشددة عام 1972، التي أعقبتها في وقت لاحق من القرن ليبرالية جيمي كارتر، الديمقراطيين الوسطيين إلى أحضان ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان لاحقاً.

وفي السياسة الخارجية، عرف المحافظون الجدد بدعمهم لبناء الدولة المثالي في الخارج، ولم يثقوا في ما سيصبح صواباً سياسياً وحكومياً، وأبدوا قلقهم من الجريمة العنيفة والضرائب الأعلى. وقبل عقود من الزمن انضم هؤلاء الديمقراطيون إلى الحزب الجمهوري.

ومنذ ثمانينات القرن العشرين، شكل المحافظون الجدد نخبة حزبهم الذي تبنوه حديثاً، على الرغم من عدم ارتياحهم مع طروحات المحافظين المتعلقة بفرض الحدود ومقاومتهم الشرسة للسيطرة على السلاح. والآن، تحاول قلة من المحافظين الجدد إعادة اكتشاف أنفسهم مجدداً والرجوع إلى الديمقراطيين لدعم هيلاري كلينتون. وبإمكاننا أن نطلق عليهم «الليبراليون الجدد». ويؤمن هؤلاء بأن الاشتراكي بيرني ساندرز جعل اليسارية المتشددة هيلاري كلينتون تبدو كما لو كانت شخصية مقبولة تنتمي إلى الوسط.

وباعتبارهم ليبراليين جدداً فإنهم يأملون أنها تحت عناقها النفعي لنزعة أوباما، لا يزال بمقدورها أن تقدم نفسها كديمقراطية تنتمي إلى تسعينات القرن العشرين، وهي الفترة التي حقق فيها زوجها السابق بيل كلينتون، توازناً في الميزانية بينما كان يتدخل في الخارج.

ويعتبر الليبراليون الجدد، بالإضافة إلى بعض أعضاء محافظي المؤسسة، مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب شخصية سامة. ويدعم الكثير منهم كلينتون لأنهم لا يحبون فكرة ترامب الرامية إلى إنشاء سور على الحدود المكسيكية لوقف الهجرة غير الشرعية. ولا يرحبون بشعارات ترامب عن «وضع أميركا أولاً» لدى التفاوض بشأن اتفاقات التجارة، وعقد تحالفات وتجنب التدخلات الخارجية الاختيارية. وهم يكرهون طروحات ترامب الفجة أكثر من كذب هيلاري المصقول.

ويجد الليبراليون الجدد أنفسهم أكثر في الخانة ذاتها، المحددة بحسب الدخل والتعليم والثقافة، وذلك مع نخبة كلينتون الديمقراطية مقارنة بجيش ترامب الجديد من الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى الشعبوية الثقافية والاقتصادية الشعبوية الجديدة. ويتوافق الليبراليون الجدد مع طبقة صغيرة من النخبة التي تدير آلة كلينتون الثرية والمتعلمة على نحو جيد بشأن وول ستريت وسيليكون فالي والمحطات الإعلامية والأكاديمية الكبيرة والفنون والمراتب العليا من بيروقراطية الدولة والحكومة الفدرالية.

هل سيتمكن المحافظون الجدد القدامى/ الليبراليون الجدد الذين يدعمون كلينتون عوضاً عن ترامب من العودة إلى الحزب الجمهوري عقب الانتخابات؟ يعتمد هذا على ثلاثة أمور مجهولة.

في حال خسر ترامب خسارة كبرى، فإن الليبراليين الجدد سيذكرون الجمهوريين المؤيدين لترامب بأنهم حذروهم من حماقتهم الشعبوية. الليبراليون الجدد سيسعون إلى محو الشعبوية وإعادة بناء الحزب الجمهوري المهزوم باعتباره نسخة محسنة من المؤسسة المحافظة التي تم تمثيلها بأشخاص من نوعية ميت رومني وجيب بوش.

وفي حال فاز ترامب فسيتم الليبراليون الجدد إلى الأبد. ولن يكونوا مرحباً بهم مجدداً من قبل الجمهورين الفائزين باعتبارهم محافظين جدداً، ولن ينظر اليهم من قبل الديمقراطيين باعتبارهم منتقلين إلى مبادئهم لهم أي قيمة سياسية إضافية. ولكن في حال خسر ترامب، فإن الليبراليين الجدد سيبقون على الأغلب مع فريق كلينتون الفائز.

وسيزعمون أن لهم بعض الفضل لمساعدتها على الوصول إلى القمة، حتى بينما يلقى باللوم عليهم من قبل أنصار ترامب الغاضبين باعتبارهم خونة، وذلك لتخريبهم ما كان يمكن أن يكون لولا ذلك استراتيجية جمهورية جديدة رابحة.

وبغض النظر عن النزعة المهنية الانتهازية، فإن التصور الفرعي لإعادة الاصطفاف هذه تعتبر قضية ثقافية وتعليمية وطبقية أكبر. وغالباً ما تتشارك النخبة الحضرية والمتعلمة على مستوى عال والتي تتمتع بدخل عال أيضاً المزيد من أوجه التقارب الثقافية والسياسية مع نظرائها على الجانب الآخر مقارنة بما تفعله مع الطبقات المتوسطة الدنيا والعاملة الفقيرة من أحزابها.

وعلى غرار ما يمكن أن تشعر به هيلاري كلينتون من راحة أكبر تجاه المحافظين الجدد القدامى، فإن مؤيدي ترامب لديهم القليل من الأمور المشتركة مع كل من أنصار كلينتون أو المحافظين الجدد.

وكلينتون ضد ترامب تعد حرباً من جانب «إن بي آر»، و«سي بي إس» و«نيويورك تايمز» ضد راديو «ناشونال انكواير» المحافظ، وموقع «درادج ريبورت». ومؤيدو كلينتون مثل رئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ ومسؤولو بوش هانك بولسون وبرنت سكوكروفت والمليارديرة ميج ويتمان لا يرتبطون بشيء مع مؤيدي ترامب الجمهوريين مثل مايك هاكابي وراش ليمبو.

الثقافة وليست السياسة فقط هي التي تدمر الأحزاب السياسية التقليدية، ولكنها تعيد بناءها أيضاً.

كاتب أميركي

Email