من مظاهر الانتماء للقيادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وهبنا الله في دولة الإمارات قيادة حكيمة، تبذل الغالي والنفيس لإسعاد شعبها والمقيمين على أرضها، وإن الانتماء لقيادتنا الحكيمة واجب شرعي علينا، ومن صميم هويتنا الوطنية، ولهذا الانتماء مظاهر تعكسه، وأفعال حيَّةٌ تُترجمه، فتتوحد بذلك الرؤى، وتزداد اللحمة الوطنية، ويقوى الاستقرار، وتبحر سفينة الوطن في آفاق الريادة والصدارة.

ومن المظاهر المشرقة التي تعكس الانتماء الوطني الراسخ: الالتفاف حول القيادة الحكيمة، والتزام رؤيتها، والتمسك بسياساتها الداخلية والخارجية، والسير على خطاها ونهجها تجاه القضايا والأحداث، ومؤازرتها في ذلك، وتلبية ندائها في مختلف الميادين، والتحلي بالتؤدة والأناة، وعدم التقدم بين يدي الدولة في شيء من سياساتها الداخلية والخارجية، لأن ذلك افتيات على الدولة، والإنسان قد ينظر بعين واحدة، وتنظر الدولة بعينين، وقد يرى الأمور من زاوية واحدة، وتراها الدولة من زواياها المتعددة، وقد ينظر إلى مصلحة واحدة، وتنظر الدولة إلى عموم المصالح والمفاسد، وقد ينطلق من مجرد العاطفة والحماس، وتنطلق الدولة من العقل والحكمة، والتسرع في هذا الباب له نتائج سلبية وخيمة، فقد يؤدي إلى الإضرار بمصالح الدولة وسياساتها، وإعطاء انطباعات غير صحيحة، ونشر الشائعات، وفتح المجال للمغرضين للتشويش، كما أنه سبب لنشر ثقافة التسرع والافتيات على الدولة والخوض في غمار السياسة بعيداً عن نهج القيادة ورؤيتها.

ومما يتأكد في هذا الباب تحري المصادر الرسمية التي تبثُّ رؤية الدولة ومواقفها تجاه القضايا والأحداث، والحذر من أي مصدر غير رسمي، فضلاً عن التأثر بمواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية المغرضة وما تبثه من اتجاهات وقناعات، فلا عبرة بذلك كله.

ومن واجبات الداعية والمثقف تأكيد هذا الجانب، بترسيخ الانتماء للقيادة، وتعزيز رؤيتها، وترجمة ذلك على أرض الواقع، والتزام الخطاب الرشيد الذي يتوافق مع رؤية الدولة ونهجها، وحسن تناول قضايا المجتمع وفق ذلك، ليكون الدعاة والمثقفون سبباً في نشر الخير والاستقرار، وتعزيز الأمن الفكري، وصيانة المجتمع من التجاذبات والصراعات الفكرية، وحماية نسيجه المجتمعي، والمحافظة على تكاتفه وتلاحمه.

ولقد أثبت الشرع وأكد الواقع خطورة التسرع في تناول قضايا الوطن والمجتمع ومسائل السياسة بعيداً عن رؤية الدولة، لما في ذلك من أضرار على الفرد والمجتمع، فإن من أخطر الميادين التي تسللت عبرها الأحزاب والتنظيمات إلى المجتمعات لتحقيق أهدافها هي ميدان السياسة، حيث حرصت هذه التيارات على بث أفكارها عبر هذا المسار، وحاولت إغراق الناس فيه على غير هدى ونور؛ ليقعوا فرائس مشروعاتها السياسية، وأوجب «الإخوان المسلمون» على كل مسلم أن يكون سياسياً، وزعم «حزب التحرير» أن الطريق الوحيد في الدعوة هي السياسة، وهكذا أيضاً التيار السروري، أشغل الشباب بالسياسة، وأغرقهم فيها تحت شعارات فقه الواقع وغيرها، حتى كانت دروسهم الدينية لا تتعدى نشرات أخبار وتحليلات سياسية، إلى غير ذلك من الأحزاب والتنظيمات التي فتحت للأفراد أبواب الخوض في السياسة بعيداً عن رؤى حكامها، وأدرجوا في سياساتهم مقارعة الحكام، والعمل على إسقاط الأنظمة، فضاع كثير من الشباب بسبب ذلك، وتدهور أفكار بعضهم إلى أن التحقوا بالقاعدة وغيرها، كما جاء الخلل في هذا الباب من قبل التيارات الليبرالية والمنظمات الحقوقية وغيرها، التي بالغت في السياسة، وجعلتها في هرم الأولويات في مسائل الحقوق والحريات، وحصرت الأنظار في ذلك، وأطَّرته وفق نظريات وأفكار معينة لا تقبل سواها، تهدف في محصلتها إلى هدم ولاءات الشعوب لحكامها، وقطع الصلة بين رؤية الحاكم والمحكوم بدعوى حرية الرأي والتعبير دون مراعاة لضوابطها.

وكان من أوائل من سلكوا هذا المسلك في التاريخ الحديث جمال الدين الأفغاني، حامل راية الانشغال بالسياسة، ومقارعة الحكام، وإشعال الثورات، وإسقاط الأنظمة، وتصدير نظام الحركات السرية، والاغتيالات السياسية، وغلَّف ذلك كله بغلاف الإصلاح السياسي، وسرى هذا الداء إلى بعض المثقفين وبعض العامة في المجتمعات، فأصبحوا يتعاطون مسائل السياسة بعيداً عن رؤى دولهم، فقلَّ احترام الحاكم عندهم، وتنامت ظاهرة الجرأة على الحكومات، وزادت وتيرة الفوضى في الساحة الثقافية والفكرية، حتى تطور الأمر ببعضهم إلى مظاهرات وثورات، ثم تقاتل واحتراب، والبيئات الأسرية التي ينتشر بين أفرادها الخوض غير المنضبط في السياسة بيئات غير صحية تهدد الأجيال، وتجعلهم فرائس سهلة لأي تيار سياسي مغرض قد يسعى لاختطافهم وتجنيدهم، وربما جاء الخلل أحياناً من أبواب غير متوقعة، مثل التصدي لبعض التيارات المعادية بطرق غير صحيحة، مما يولد تدريجياً في المقابل توجهات أخرى غير حميدة.

كل ذلك يؤكد علينا ضرورة الالتفاف حول قيادتنا الرشيدة، والالتزام برؤيتها المستنيرة، وسياساتها الحكيمة، وترجمة انتمائنا الوطني الراسخ في واقع عملي مشرق، لنحمي مجتمعنا من كل الأخطار، وعلى شبابنا أن يكونوا على وعي تام، ملتزمين الثقافة الإيجابية، مصطفين خلف قيادتهم، متمسكين بنهج دولتهم في مختلف القضايا، وقد أرشدنا الله إلى هذا المسلك المنير فقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، وقال سبحانه: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}. أسأل الله تعالى أن يحفظ دولتنا وقيادتنا ومجتمعنا، ويديم علينا التلاحم والاستقرار.

Email