السياحة ومشكلة القطاع الأوحد للاقتصاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل ثورة يناير 2011 كانت عوائد قطاع السياحة المصري أربعة عشر مليار دولار سنوياً فضلاً عن تشغيل الملايين من أبناء الشعب المصري وتحريك قطاعات اقتصادية أخرى يعتمد نشاطها بشكل أساسي على الحركة السياحية.

أضف إلى ذلك دور هذا القطاع في بناء رصيد قوي من الاحتياطيات الدولية وقدرته على استعادة نفسه بسرعة وتحقيق عائدات سريعة لوجود بنية سياحية تحتية جاهزة للانتعاش في أي لحظة، فضلاً عما تمتلكه مصر من مقومات سياحية تجعل من السياحة في مصر صناعة حقيقية يمكن التعويل عليها. الآن، وبسبب الإرهاب وتأثيراته على الأمن، حرمت مصر من جزء كبير من هذه الإيرادات.

ولأن مصر دائماً قوية وكبيرة، فهي بالفعل أقوى من المأزق، وكثيراً ما تعرضت لمشكلات أخطر من ذلك بكثير، رغم أن الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بمصر الآن معقدة وصعبة للغاية. ولكن في مواجهة الأزمات الطارئة والأوقات الصعبة، لا مجال لجلد الذات أو البكاء على اللبن المسكوب، خاصة إذا ما كانت في نطاق أكبر وأشمل من الحدود الجغرافية وخارج نطاق السيطرة المحلية، وأيضاً إذا كانت مترتبة على عوامل خارجية متكررة ومتبدلة في الآن ذاته، فيصبح التوجه الأمثل هو البحث عن البدائل المتاحة والمؤكدة والمحتملة لتجاوز الصعاب بأقل التكاليف والسلبيات الممكنة، وهنا تبزغ مخاطر الاقتصاد أحادي الجانب المعرض لهزات كبيرة نتيجة أي تحولات داخلية وخارجية.

وعلى سبيل المثال، ليس خافياً أن العديد من المؤسسات والهيئات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين كثيراً ما طالبت منذ سنوات السبعينيات في القرن الماضي بضرورة تنويع الأنشطة الاقتصادية للدول المنتجة للنفط، بحيث لا تتحول إلى دول ذات نشاط اقتصادي أحادي يعتمد فقط على إنتاج النفط وتصديره.

والحقيقة أن دولاً نفطية عدة لجأت بالفعل إلى تحقيق هذين المطلبين ولو بدرجات متفاوتة، فأصبحت هناك أنشطة صناعية وتجارية وزراعية تسمح بتشغيل عمالة كثيفة وتحقيق إنتاج كمي يغطي جانباً من الاستهلاك المحلي وكذلك التصدير للخارج، والأهم من ذلك هو دخول أنشطة تلك المجالات ضمن مصادر الناتج القومي للدول، وقد استطاعت دول بترولية كالإمارات العربية المتحدة بفضل تلك السياسات خفض اعتمادها على البترول كمصدر للدخل إلى نحو 33%، وتستعد من الآن لمرحلة ما بعد النفط.

المخاطر تظل قائمة ما دام النشاط الاقتصادي يعتمد على نمط أو مجال واحد، وهو ما يحدث في الحالة المصرية مع السياحة، حيث اعتبرت في مراحل كثيرة قاطرة التنمية، وتلك مقولة لا يجوز القبول بها في دولة بحجم مصر يتجاوز عدد سكانها التسعين مليون نسمة، وفي أمس الحاجة إلى تنويع اقتصادها بشموله شتى المجالات.

والشيء الغريب أنه رغم امتلاك مصر لمقومات سياحية هائلة ربما لا يوجد مثيل لها في أي مكان بالعالم بعمقها الحضاري والتاريخي وتنوعها الثقافي المدهش إلا أن ما يجب عمله في سبيل تحويل السياحة إلى قاطرة حقيقية للتنمية لم يتم حتى الآن حتى في أفضل الظروف، بل إن حلقات هذا القطاع كانت تضيق بشكل مؤسف.

فمن السياحة الشاملة والمتنوعة بدأت تختفي مقاصد سياحية وبرامج تقليدية لصالح أخرى حتى تراجعت السياحة التاريخية أو ما يسمى بالسياحة الثقافية لصالح السياحة الشاطئية، وليت الأمر توقف عند ذلك فقد ضاقت حلقات السياحة الشاطئية ذاتها لتنحصر في سياحة شواطئ البحر الأحمر ثم تنحسر مجدداً لتصبح شرم الشيخ فقط، وبذلك أصبحت السياحة المصرية رهينة لما يحدث في هذه المدينة! ومن ثم وحتى لا نخنق أنفسنا أكثر وأكثر فلابد من الخروج من هذه الدوائر الضيقة الخانقة بتنويع الأنشطة الاقتصادية وإحياء كل قطاعات الدولة الزراعية والصناعية والتجارية وعدم الاكتفاء بـ«بورصة» السياحة، وربما تحتم تقلبات أسعار البترول وتراجعها عالمياً بشكل حاد مقاربات مماثلة في الدول البترولية الأشد اعتماداً على مصدر واحد أو أساسي للدخل.

Email