أميركا بين فضائح الانتخابات وسقوط «المؤسسة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لظروف النشر، أكتب قبل بضعة أيام من قراءتك اليوم المقال، ولا أعرف إن كان السيد «ترامب» مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية قد اقترف حماقة جديدة! أو إن كانت «ويكيليكس» قد نشرت وثائق جديدة عن هيلاري كلينتون! أو إن كان الضجيج حول نشر الصور العارية لزوجة «ترامب» قبل زواجها منه قد توقف! لكنني أعرف أننا أمام معركة انتخابية قد تكون الأسوأ في سجل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لكنها بالتأكيد ستكون شاهداً على التحول الكبير في المجتمع الأميركي. وستكون – مهما كانت النتائج – دليلاً على أن أميركا لن تكون كما كانت. وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة ويبني سياساته عليها.

الانتخابات الحالية أظهرت أن «المؤسسة» التي تتحكم في المفاصل الأساسية للنظام الأميركي، وتفرض سطوتها على الأحزاب والإعلام والمؤسسات السياسية، وتتحكم في الانتخابات نتيجة تحكمها في الشركات الكبرى والاحتكارات العابرة للقارات.

هذه المؤسسة تتداعى، والقبضة التي كانت تمسك بكل أركان النظام تتراخى، والنتيجة تبدو في هذه الانتخابات الرئاسية الفاصلة في تاريخ أميركا والعالم، ليس بسبب المنافسة الانتخابية، وإنما بسبب أنها تعلن أن «المؤسسة» الحاكمة لأميركا والعالم في أزمة قد تقودها للانهيار، وأن البحث عن الإنقاذ ليس مهمة سهلة إذا فازت هيلاري كلينتون، أما السقوط فهو العنوان الأساسي لنجاح «ترامب».

أزمة اليمين الأميركي تتجلى من خلال موقف الحزب الجمهوري الذي سقط كل مرشحيه الأساسيين في الانتخابات الداخلية، ليفوز عليهم بالضربة القاضية هذا «المهرج» القادم من عالم المال، الذي لا يحمل أي تاريخ سياسي، والذي يفرض على الحزب «أجندة» عنصرية جاهلة، تستغل أوضاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وتصاعدت القيادات المتطرفة والإرهابية، لتطرح في النهاية «ترامب» مرشحاً للحزب الجمهوري الذي يتمتع بالأغلبية في مجلس الشيوخ، والذي كان يتصور أن انتخابات الرئاسة مضمونة له، ولو بالرغبة الدائمة لدى الناخب الأميركي في التغيير بعد ثماني سنوات قضاها أوباما في البيت الأبيض! وليطرح هو «أفكاره» أو «أوهامه» التي تعادي كل ما هو غير أبيض من مواطني أميركا، والتي تطالب بسور يفصل أميركا عن المكسيك، وبسياسات تفصلها عن العالم كله، والذي يعتبر «الإسلام» وليس «الإرهاب أو التطرف» هو العدو الأساسي لأميركا، والذي يهين كل القيم الإنسانية حين لا يحترم مشاعر أم جندي أميركي مسلم سقط وهو يحمي زملاءه في حرب العراق لأن الأب «حضرخان» كان يتحدث في مؤتمر للحزب الديمقراطي، بينما كانت الأم المكلومة تقف صامتة، فإذا بوقاحة «ترامب» تقوده لأن يهين الأم لأنها لم تتحدث.

بينما كان يدافع – في الوقت نفسه – عن زوجته التي ظهرت صورها وهي عارية تماماً في الصحف الأميركية، باعتبار ذلك عملاً شريفاً لا يمس سمعة البيت الأبيض إذا وصلت زوجته المصونة إلى موقع السيدة الأولى في الدولة الأعظم في عالمنا حتى الآن! لكن الأدهى من ذلك كله أن نرى مرشحاً لحزب أساسي في انتخابات الرئاسة الأميركية يطلب علناً من الرئيس الروسي «بوتين» أن يساعده بالكشف عن الرسائل الإلكترونية الخاصة بهيلاري كلينتون المتهمة بحذف بعض هذه الرسائل التي استخدمت فيها «الإيميل» الشخصي في رسائل رسمية تتصل بالأمن القومي! وكما يعتقد الحزب الديمقراطي أن روسيا وراء تسريب بعض الرسائل الإلكترونية الخاصة بالحزب الديمقراطي لخدمة «ترامب».. يعتقد «ترامب» أن وصف «بوتين» له بأنه «عبقري» هو شهادة تؤهله لرئاسة أميركا! ويكشف في كل ما يقول عن جهل فادح بأحوال العالم، وعن حماقة تؤكد أن وصوله ليكون مرشحاً للحزب الجمهوري في الانتخابات قد لا يكون شهادة بوفاة قيادة الحزب الفاشلة، وإنما بنهاية الحزب نفسه! على الوجه الآخر يدور التساؤل: مثل هذا المرشح ينبغي أن يكون فريسة سهلة لأي مرشح ديمقراطي.

ومع ذلك فما زالت المنافسة قائمة بينه وبين هيلاري كلينتون.. فأين الخلل؟! بالطبع هناك ما يتعلق بشخصية هيلاري كلينتون نفسها، المتهمة بالغرور والتعالي والبعيدة عن التواصل مع الناخب العادي، والتي تواجه اتهامات لم تغلق صفحتها حول استخدام بريدها الإلكتروني الخاص في أعمال تتعلق بالدولة وتمس أمنها، كما تواجه اتهامات بأنها قريبة من دوائر المال والشركات الكبرى التي تؤثر في سياسة الحزب الذي كشفت الوثائق المسربة أنه وقف بكل قوته وراء كلينتون في الانتخابات الداخلية ضد منافسها القوي «بيرني ساندرز» النجم الحقيقي لهذه الانتخابات، والذي حاز 30% من أصوات الديمقراطيين طارحاً برنامجه الإصلاحي الذي يضرب «المؤسسة» المتحكمة بالسياسة الأميركية في الصميم، حين يرفض مجمل النظام الذي ينحاز للشركات العملاقة ويضر بالفقراء ويضرب الطبقة المتوسطة وحين يطالب بنظام أقرب للاشتراكية الأوروبية يوفر العلاج والتعليم المجاني ويعيد توزيع الدخل القومي بطريقة أكثر عدالة.

وجود ترامب في المنافسة سيجعلنا نشهد المزيد من الفضائح والوقاحة والجهل بالسياسة والعلم. ووجود «كلينتون» يقول إن «المؤسسة» ما زالت موجودة، لكن الواقع يقول إن ما يجمع الحزب الديمقراطي الآن هو شعار «معاً ضد ترامب» حتى لا تقع الكارثة بوصوله للحكم، والبرنامج الانتخابي الذي طرحه الحزب يحمل الكثير من مطالب ساندرز الذي أعلن أنه سيقاتل إلى جانب كلينتون مدركاً ضرورة إسقاط «ترامب» من ناحية، ومدركاً أن ما قدمه في الانتخابات التمهيدية لن يضيع بعد أن اكتسب ثقة الغالبية العظمى من الشباب، وبعد أن قال أوباما نفسه إن الكثير مما طرحه ساندرز كان يتمنى أن يتمكن هو من إنجازه.

كنا حتى الآن نعرف «اللوبي» الذي يحكم ويتحكم في أميركا، السؤال الذي تطرحه هذه الانتخابات هو: من هو «اللوبي» الذي سيرث السلطة في الدولة الأعظم ومن هي القوى المؤثرة داخله؟!

Email