كيف بدأ الغرب يتعامل مع التطرف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك في أن ما يشهده الغرب من تنامي ظاهرة الشباب المتطرف الذي يمارس العنف والإرهاب ضد الآمنين شيء يستحق الدراسة. فما تشهده المجتمعات الغربية من ظهور شباب متطرف أخذوا القانون في يدهم ونشروا الموت في كل مكان شيء لا يمكن للحكومات الغربية ولا مؤسسات المجتمع المدني أن تتجاهله، حيث قررت الأخيرة التحرك لوقاية المجتمع من خطر التطرف والعنف.

ففي بريطانيا ظهرت مؤسسات أهلية أطلقت على نفسها اسم «وقاية» ويديرها ويعمل فيها شباب متطوعون، وتهدف تلك المؤسسات إلى توعية الأطفال والمراهقين من خطر التطرف أياً كان نوعه ومصدره.

فعملاً بالمثل القائل «الوقاية خير من العلاج» تهدف تلك المؤسسات المجتمعية إلى منع وصول جرعات التطرف إلى الأطفال والقاصرين وتوعيتهم بخطر ذلك التطرف الفكري واعتناقه. فالتطرف الديني أو المذهبي أو الحضاري أو العرقي كله يؤدي إلى الطريق نفسه: تطرف فإرهاب فدمار فموت.

لقد وجدت الدراسات في الدول الغربية أن التوعية المبكرة خاصة بين الأطفال والمراهقين، خاصة من ذوي الأصول العرقية المختلطة، وسيلة قد تحمي المجتمع بأسره من خطر التطرف.

فالطفل الذي ولد من أصول عرقية مختلفة عن الأصول الموجودة في المجتمع هو أقرب لتقبل الأفكار المتطرفة. كما وجدت الدراسات أن البيئة التي ولد فيها الطفل تؤثر إلى حد كبير في انحراف الطفل وتقبله للأفكار المتطرفة. فالبيئة الفقيرة هي بيئة حاضنة وتربة خصبة ليس فقط لتقبل الأفكار المتطرفة بل لإنبات الأفكار الهدامة.

وبناءً على تلك الدراسات فقد عمدت تلك المؤسسات الأهلية إلى التوعية في مدارس الجاليات ومدارس أبناء المهاجرين بالإضافة إلى المدارس الحكومية التي يؤمها أبناء الطبقات الوسطى.

وكما أوردت التقارير فإن التوعية لا بد وأن تبدأ مبكراً وقبل أن يتعرض الطفل إلى جرعات قوية من الأفكار المتطرفة تجرف توازنه النفسي والفكري.

فالبناء النفسي للطفل في الغرب مختلف عن البناء النفسي والفكري للطفل الشرقي. فعلى الرغم من أن الغرب يقدس الحريات المدنية والفكرية والعقدية ويعتبرها شيئاً خاصاً بالإنسان إلا أنه أيضاً يظهر شيئاً من التجاهل إن لم نقل عدم الاحترام للاختلاف خاصة الاختلاف العرقي والديني. فالعديد من الشباب من أبناء المهاجرين لا يشعرون بالانتماء إلى المجتمع الذي يعيشون فيها نتيجة عدم تقبل المجتمع لهم على الرغم من أنهم ولدوا في تلك البلدان الغربية ويحملون جنسيتها.

وكتعبير عن رفضهم لذلك «الرفض الاجتماعي» فإنهم يجدون في الأفكار المتطرفة تعبيراً وملاذاً وبشكل آخر انتقاماً للمجتمع الذي يعيشون فيها والذي يرفض إعطائهم الفرصة نفسها التي تعطى للشباب الغربي.

لقد وعى الغرب تلك الدروس متأخراً ولهذا عمد إلى أخذ الاحتياطات التي تحفظ للمجتمع تماسكه وقيمه التي قام عليها ومبادئه التي تمثل العمود الفقري لذلك المجتمع. ولهذا فإنه يسعى في الوقت الحالي إلى إيجاد نوع من التوازن بين الحريات المدنية التي كفلتها دساتير تلك الدول وبين الحفاظ على أمن المجتمع وتماسكه من خطر ثلة من الشباب الثائر الغاضب.

فلم تجد تلك المؤسسات خيراً من التوعية المبكرة من خطر الانجراف الفكري نحو اعتناق تيارات متطرفة تجرف الأخضر واليابس.

لقد كان الغرب يعيش في عالم خاص به وكان اعتقاده بأنه بتوفيره للديمقراطية وحقوق الإنسان وضمان الحريات العامة لمواطنيه قد حمى نفسه وقيمه من الأخطار الداخلية، ولكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن تلك القيم إن لم تكن مكتملة ولا توفر للناس الاستقرار النفسي.

فكما حدث في بعض بلدان الشرق الأوسط يحدث الآن في أوروبا. فالإرهاب أثبت أنه كالموت لا وطن له وأنه يتنقل من مكان إلى آخر دون حدود جغرافية أو بوادر واضحة، ولكنه بالتأكيد له أسباب ودوافع يمكن تجنبها.

فالوقاية خير من العلاج وهذا ما تقوم به بعض مؤسسات المجتمع المدني في الغرب.

لقد حذرت الدراسات التي أجريت في أوروبا قبل عقود من أن غياب المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع أطياف المجتمع يمكن أن تكون مدخلاً لظاهرة التطرف والراديكالية. ولكن أوروبا يمكن أن تكون تجاهلت نتائج تلك الدراسات.

ولكن اليوم لا يمكن لدول أوروبا أن تغمض أعينها عما يجري في داخلها وفي خارجها أيضاً. فلا يمكن للحريات المدنية والعدالة الاجتماعية أن تكون مقتصرة على فئة دون أخرى.

كما أن العالم صغير، فما يحدث في بلدان العالم الثالث من فقر وحروب وهجرة لأوروبا يد فيها، وتشكل عاملاً مؤثراً في استقرار أوروبا وأمنها.

Email