ارمِهِ بالحجارة !

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان لدى أحد كرام العرب فرس مشهورة، فتزيّا أحد اللصوص بصورة مسافر فقير ووقف في طريقه، فقدم له الماء والطعام وأردفه خلفه ليوصله حيث يريد، عندما وقفا للاستراحة قفز اللص على الفرس وهرب بها، فصاح به صاحبها: «إن كنت فاعلاً فعندي طلب وحيد» وقف اللص وقال:«ما هو؟»، قال:«إن سألك عنها الناس فقل أهداني اياها صاحبها» قال اللص مندهشاً: «لماذا؟»، قال: «حتى لا ينقطع المعروف بين الناس، فإنْ مرّوا بصاحب حاجة تركوه خوفاً من أن يغدر بهم» فخجل اللص وأعاد الفرس واعتذر!

للعرب طيلة تاريخهم وزنٌ خاص لفضيلة الوفاء ووزنٌ لا يقل قَدْراً عن خصلة العدالة في الخصام، والأخيرة تحديداً وجدت صدى كبيراً في تاريخنا الإسلامي ونفت كتب التراجم سِيَر الخونة ولم تمر بهم إلا للعظة والمثلبة، فالتاريخ لا يفخر على صفحاته إلا بالشرفاء وأصحاب الأيادي البيضاء والأرواح النقيّة، بينما لا يذكر أضدادهم إلا على سبيل الاعتبار، حيث إن كل خائنٍ أو غادر لا يرى نفسه إلا مُطهّراً ولا يكف عن سوق المبررات عن سوء صنيعه وقد ينجح آنياً في خلط الأمور على البسطاء إلا أن الزمن كفيلٌ بكشف أكاذيبه وتدليسه في الدنيا قبل أن تتحقق نبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرة عندما قال: «لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يُقال: هذه غَدْرَةُ فلان»!

كشفت لنا الأحداث الأخيرة في تركيا تناقضات لا يمكن تخيّلها لأفراد تنظيم الإخوان الهاربين هناك، فما أقاموا الدنيا وأقعدوها عليه من النواح والبكائيات «المسرحية» هنا بعد كَشْف مخطط التنظيم التآمري كفروا به بعد فشل الانقلاب في تركيا، لم يكن مجرد محاولة ايجاد تصريحات توافقية حتى لا يناقضوا أنفسهم ولكنها كانت كفراً تاماً بكل ما قالوه: «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله»، ليؤكدوا من جديد لكل متردّد تلوّنهم الذي لا ينتهي وبأنّ كل الشعارات التي يرفعون لا تعدوا أن تكون تكتيكاً جديداً للمراوغة ومحاولة تسجيل بعض النقاط، وهو ما يُخفقون به دوماً لأن «حبل الكذب قصير»!

تباكوا بعد إحالة رفاقهم الذين هربوا عنهم والمتورطين بأدلة دامغة لمؤامرة لقلب نظام الحكم للقضاء وفي محاكمات «علنية» عادلة، لكنهم انقلبوا على أعقابهم وأيدوا اعتقال أكثر من 15 ألف شخص بـ«الارتياب»، بينهم 10 آلاف من العسكريين وثلاثة آلاف من الشرطة وأكثر من ألفين من السلك القضائي، ولم ينددوا كعادتهم عندما أعلنت وكالة الأناضول التركية الرسمية فصل 51,322 موظفاً من وظائفهم الحكومية منهم 42 ألفاً في قطاع التعليم، كما طالبت الحكومة 1,600 من عمداء الجامعات والكليات بتقديم استقالاتهم فضلاً عن احتجاز 47 صحفياً بعد أيام من اعتقال 42 مراسلاً صحفياً.

لماذا ينقمون إغلاق جمعيتهم التي لم تكن سوى بؤرة إفساد لعقول الشباب وشق نسيج الوحدة الوطنية من أجل أوهام وصولهم للسلطة في بلدٍ يعشق الشعب قيادته، ولم يتحدثوا عن إغلاق عدد 1,034 مدرسة خاصة و 1,229 جمعية ومؤسسة خيرية و 19 نقابة عمالية و 15 جامعة و 35 مؤسسة طبية كما ذكرت ذلك وكالة الأناضول وتبعها إغلاق 3وكالات أنباء و 16 قناة تلفزيونية و 23 محطة إذاعية و 45 صحيفة و 15 مجلة، لماذا لم نسمع رد حكم المعتاد عن تكميم الأفواه وإلغاء الرأي الآخر واحترام حق الإنسان في التعبير!

أتابع بعضهم وهو لا يألو جهداً في سرد الأكاذيب على بلادنا وفي إعادة نشر تلفيقات خصومنا من صعاليك التنظيم الدولي رغم يقينه بأنها ملفّقة ولكنه الفجور في الخصومة وافتقاد أبسط درجات المروءة، في بيان جديد بأنّ ما يرفعونه من شعارات تُكذبه أفعالهم الدنيئة دوماً تصديقاً لقول المولى سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»، اقرأ التغريدات المختلقة فأفرك عيني لأتأكد إن كان حولي «هبل واللات والعزى» في الأماكن العامة، أو أن الأخدود قد حُفِرَ وأضرمت فيه النيران لإلقاء المؤمنين به، لكنّي لا أجد إلا المآذن تعانق سماء المدن ولا أسمع أندى من صوت المؤذن بالصلوات يملأ الآفاق!

أضحك وأنا أقرأ نرجسيتهم وهم يتحدثون عن أنفسهم و كأنهم الفتية أهل الكهف أو كأنهم آل ياسر، ويتملكني العجب وهم يكتبون لرفاقهم الذين «هربوا عنهم» ويسوقون تلك الرسائل التي من شاكلة «صبراً أحبتنا فهذه طريق الأنبياء والمصلحين والصدّيقين»، هل يعقل أن يكون شخصٌ «ماكل مقلب» في نفسه لهذه الدرجة؟ أين أنتم وأين من ذكرتم؟ إنّ الأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه لا يغدرون، وإنّ الصالحين لا يتآمرون، وإنّ الصدّيقين لا يُلفّقون الأكاذيب على أعدائهم ولا على أهلهم!

لماذا تنقمون على بلادنا وأنتم «تتسلّفون» أكاذيب شُذّاذ الآفاق لترويجها لأنكم تعرفون فعلاً أنها كذب، ولماذا هذا التطبيل والمقارنات التي لو صدقتم لم تكن في صالحكم، فدين بلادنا في الدستور هو الإسلام بينما في تركيا العلمانية، ولغتنا هي لغة الإسلام التي أُنزل بها الوحي وحيث أنتم فهي التركية، والأدهى من ذلك أنكم لا تعدون مجرد لاجئين فيها لكنّ لا وزن لكم ولا خانة لوجودكم في مستقبل بلادهم لأنهم كغيرهم يؤمنون بالحكمة القديمة التي تقول:«الكلب الذي ترك صاحبه وأتاك: ارمِهِ بالحجارة» !

Email