جماليات الخط في المغرب العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على غرار الهند، تطور أسلوب متميز من الخط العربي في فترة مبكرة في الطرف المقابل من العالم الإسلامي، أي في المغرب. ومن نواح كثيرة، فإن الخط المستخدم هناك يشبه نظيره الذي يعود للعصور القديمة. وواصل الخطاطون استخدام الأسلوب نفسه من الحروف المنفذة في شكل لمسات ذات سمك واحد بالقلم ونقطة مع امتداد في أسفل يسار الحرف ونقاط صفراء للترقيم. وكتب الخطاطون مجدداً بطريقتين إحداهما خط بحروف صغيرة، يسمى أحياناً «الأندلسي»، واستخدموه لكتابة المصحف، حيث تضم الصفحة الواحدة ما يتراوح بين خمسة عشر إلى تسعة وعشرين سطراً.

وهناك مصحف شهير تم الفراغ من نسخه في نهاية فبراير عام 1304 يوضح كيف تواصلت التقاليد القديمة. فكل سماته من المواد إلى الخط تشبه تلك الموجودة في المصاحف المستنسخة في بلنسية قبل قرن من الزمن. وعلى سبيل المثال، فإن المخطوطة التي كتبت في وقت لاحق كتبت على الرق، الذي ظل مستخدماً في المغرب حتى وقت أطول بكثير مما حدث في المشرق.

ويساوي حجم هذه المخطوطة الحجم القياسي (17×17) وشكلها يشابه الشكل المربع لمخطوطات أنجزت سابقاً في المنطقة. المخطوطة التي نسخت لاحقاً تتميز بالبذخ ذاته المتمثل في التذهيب الذي أنجز قبل قرن في بلنسية. وتؤطر صفحات مزدوجة مذهبة بداية المصحف ونهايته.

أسماء السور وعلاماتها مكتوبة بالذهب. وداخل النص يشير هرم مؤلف من ثلاث كرات إلى نهاية الآية، حرف هاء على شكل قطرة دمع إلى نهاية خمس آيات، وتشير دائرة ذهبية كبيرة إلى نهاية مجموعة من عشر آيات.

وعلى الرغم من الاستخدام المستمر للرق الذي استعمل سابقاً في المغرب في المخطوطات المصورة، إلا أنه أصبح مألوفاً في استنساخ المصاحف. وغالبا ما كانت المخطوطة تصبغ على غرار تلك التي يعادل حجمها حجم المجلد العشرين من القرآن. وغالباً ما كان الورق يلون على غرار المصحف الذي يقع في عشرين مجلداً، المحفوظ في مدرسة بن يوسف في مراكش، منذ القرن الثالث عشر. والنص الكبير (هناك خمسة أسطر فقط في كل صفحة)، مستنسخ على نوع جيد من ورق الخوخ الملون المعروف باسم «الشبطي»، حيث إنه جاء من بلدة جاتيفا، المعروفة باللغة العربية باسم الشطيبة. وتقع هذه البلدة جنوبي غرب بلنسية، واشتهرت بفضل ورقها في منتصف القرن الثاني عشر. الجغرافي المسلم الإدريسي الصقلي، على سبيل المثال، أشاد بجاتيفا لرقة ورقها، وقيل إنه لا يوجد مثله في أي مكان آخر وصدر إلى الشرق والغرب في الوقت ذاته.

واستخدم الورق الملون في المغرب ليس من أجل المخطوطات فقط، بل من أجل الوثائق. ونحن نعرف هذا من المجموعة المكونة من 162 رسالة مكتوبة بين عامي 1296 و1418 على يد الحكام المسلمين في إسبانيا وشمال إفريقيا، والتي أرسلت إلى ملوك أراغون في قطالونيا. وهي محفوظة في أربعة أوعية في أرشيف تاج أراغون (الموجود حالياً في برشلونة). وتتناول هذه الرسائل بشكل أساسي المشكلات السياسية أو الحروب. ومعظمها مكتوب على شرائح من الأوراق المحلية، المفصولة من خلال خطوط متعرجة.

بعض هذه الأوراق بيضاء والكثير منها ملونة، تتراوح من اللون الأحمر إلى القرمزي والأرجواني أو الوردي الباهت. وتعرف هذه الأوراق الملونة أحياناً من خلال الاصطلاح العام «نصري»، لأنها أنتجت أول الأمر خلال الفترة التي حكم فيها بنو نصر غرناطة (1232 – 1492) ومثل كثير من الرسائل المعاصرة في الأرشيف، معظمها كتب على الورق المصبوغ باللون الوردي.

ولم تكتب الرسالة الأبرز في المجموعة باللغة العربية وإنما باللغة القشتالية، وأرسلت في الرابع من سبتمبر عام 1418 من الحاكم النصري محمد الثامن إلى ألفونسو الخامس. وهي مصبوغة بلون الدم الأحمر المائل إلى الأرجواني. الوضوح كان مهماً، وبالنسبة إلى كثيرين فإن ملوك أراغون واجهوا مشكلات لدى قراءتهم هذه الرسائل. وعندما تسلم بيتر الخامس سبع رسائل باللغة العربية في مدينة بربينيان، اضطر رجال بلاطه إلى إرسال هذه الرسائل إلى برشلونة للترجمة.

وواصل النصريون حكم غرناطة المحاصرة حتى نهاية القرن الخامس عشر، إلا أنه تم الاحتفاظ بعدد قليل من المخطوطات الموقعة والمؤرخة هناك في السنوات اللاحقة، وربما لأن الغزاة دمروا المكتبة النصرية الملكية عن قصد. ولدينا معرفة أفضل عن العمل الذي أنتج في حينه مقارنة بالمعاصرين للنصريين، وهم الحكام الحفصيون، لما يعرف اليوم بتونس وشرقي الجزائر من عام 1229 إلى 1574.

السفارات في المغرب استخدمت الورق الأوروبي منذ أواسط القرن الرابع عشر على الأقل، وبحلول القرن الخامس عشر حل الورق الإيطالي محل الإنتاج المحلي في مدن مثل فاس. المصاحف غالباً كانت أفخم المخطوطات التي أنتجت، مع الاستخدام المترف للذهب وللعديد من الأوراق بسبب النص الكبير والفراغات الكبيرة. واستخدم الخطاطون الخط ذاته، بالنسبة إلى مخطوطات أخرى جميلة، مثل النسخة المكونة من مجلدين من كتاب «السياسة» لأرسطو. وستواصل هذه الخصائص فرض نفسها على الخط المستخدم في شمال أفريقيا خلال القرون اللاحقة.

Email