الأسوار.. قديمها وحديثها

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يقف المرء اليوم عند سور هادريان في شمال إنجلترا، فإن كل شيء يبدو هادئاً وجميلاً على الجانبين. لم يكن الهدوء ذاته سائداً قبل 1900 عام. ففي عام 122 ميلادية، أمر الإمبراطور الروماني هادريان الذي كان قد ضاق ذرعاً، ببناء سور عال يصل ارتفاعه إلى 20 قدما لحماية الحضارة الرومانية في بريطانيا من القبائل الاسكتلندية في الشمال.

نحن الحدثيين غالباً ما نسخر من الأسوار والحواجز المحصنة، وننحيها جانباً باعتبارها غير فعالة ولا ضرورة لها ونعتبرها أمراً ميؤوساً منه. ومع ذلك فإنها تبدو كما لو كانت تؤدي الغرض منها عند الخط 38 في كوريا والحدود السورية العراقية.

وعلى الجانب الروماني من سور هادريان كانت هناك الكثير من القواعد القانونية ومذكرات الجلب والقنوات وأدب شيشرون، وفيرجيل وتاسيتوس. وعلى الجانب المعاكس هناك نزعة قبلية عنيفة وأقل تطوراً. وافترض هادريان أن هناك مفارقة بشأن الأسوار تتعلق بالشرط الإنساني. وكرهت القبائل الاسكتلندية الرومان الاستعماريين المتربصين به وأرادت إبعادهم من جزيرة بريطانيا. ولكن لسبب ما لم يرحب الاسكتلنديون بالسور الذي أوقف الرومان ومنعهم من دخول اسكتلندا. وأنشأ الرومان الذين ضاقوا ذرعاً، السور لمنع الاسكتلنديين من دخول بريطانيا الرومانية، سواء للإغارة أو التجارة، أو الهجرة أو القتال.

واليوم يواجه الاتحاد الأوروبي مشكلات قليلة مع الأعضاء لا تفرض حدودها الداخلية. إلا أن الدول الأوروبية حريصة على منع القارة من أن يكتسحها المهاجرون القادمون من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وعلى غرار الرومان، فإن بعض دول الاتحاد الأوروبي تبني حواجز وأسواراً لإبعاد الألوف من المهاجرين غير الأوروبيين لأسباب اقتصادية وتتعلق بالأمن الوطني.

ويريد الكثير من أبناء الشرق الأوسط الانتقال إلى أوروبا من أجل الفوائد المادية والحضارية مقارنة مع دولهم مثل الجزائر والعراق وليبيا والمغرب وسوريا. ومع ذلك، فإن الكثير من القادمين الجدد ينتقدون إلى حد كبير الثقافة الشعبية الغربية والتجاوزات. إلى الحد الذي قد لا يرغبون معه بالاندماج في الثقافة التي اندفعوا تجاهها.

وشأن نظرائهم القدامى، فإن المهاجرين المحدثين على الجانب الأكثر فقراً أو الأقل استقراراً من الحدود لا يعرفون على وجه الدقة ما الذي يريدونه، فهم يسعون إلى وفرة الأنظمة الغربية، سواء كانت أوروبية أو أميركية، ولكنهم لا يتخلون بالضرورة عن هوياتهم الثقافية وقيمهم. المفارقات ذاتها تؤطر التظاهرات العنيفة أحياناً في تجمعات ترامب. الجدل حول إمكانية البناء المحتمل لسور على الحدود المكسيكية، أطول بخمس وعشرين مرة من سور هادريان، والغضب العام على سياسات الهجرة. وغالباً ما تنتقد المكسيك الولايات المتحدة، ومع ذلك تشجع الملايين من أبنائها على الهجرة إلى أميركا التي يفترض أنها غير جذابة.

وبعض المتظاهرين بدورهم يلوحون بعلم الدولة التي لا يرغبون في العودة إليها أكثر ما يلوحون بعلم الدولة التي يخشون أن يتم ترحيلهم منها. واللافتات التي ترفع في التجمعات تنتقد الولايات المتحدة ولكن تشيد بالمكسيك بالطريقة ذاتها التي لم يحب فيها الاسكتلنديون بريطانيا الرومانية، ولكن مع ذلك كانوا أقل ترحيباً بفكرة الحدود المحصنة التي تفصلهم عن الرومان.

ما الردود على هذه التناقضات الإنسانية؟

نجحت روما عندما عبر الأجانب حدودها ليصبحوا روماناً. وفشلت عندما هرب القادمون الجدد إلى الإمبراطورية، وتمسكوا بثقافتهم التي كانت تتناقض مع الثقافات الرومانية التي اختاروها ظاهرياً.

ولم تكن هناك من أسوار بين مقاطعات الإمبراطورية الرومانية، على غرار عدم وجود أسوار بين الولايات الأميركية، لأن اللغة والقيم والقوانين المشتركة جعلتها متساوية. لكن التحصينات نشأت وارتفعت على امتداد النطاق الخارجي للعالم الروماني، عندما لم يعد بمقدور روما تحقيق تجانس التجمعات المختلفة معها.

وفي حال كان على المكسيك ودول أميركا اللاتينية الأخرى تبني الكثير من البروتوكولات الأميركية، فإن مستوى معيشتها ستكون غير قابلة للتمييز عن مستوى معيشة أميركا كما هي الحال في اسكتلندا الحديثة مقارنة ببريطانيا اليوم. أو إذا قدر لمهاجري أميركا اللاتينية أن يندمجوا بالسرعة المطلوبة، فلن تكون هناك حاجة للتفكير في الأسوار. وتاريخياً، على غرار ما عرف هادريان فإن الأسوار سيتم الاحتياج إليها فقط عندما تكون المجتمعات المتجاورة متضاربة، وعندما يعبر عدد كبير من المهاجرين الحدود بلا رغبة في أن يكونوا جزءاً مما يهربون إليه. هذه دروس قاسية وقديمة عن الطبيعة البشرية، ولكنها صحيحة إلى حد كبير وتتجاوز الزمن.

Email