الإرهاب واحد ولا بديل عن المواجهة الشاملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت أتهيأ للكتابة عن الجامعة العربية، وفصل جديد يبدأ مع تولي الأمين العام الجديد أحمد أبو الغيط مهام منصبه في ظروف صعبة يمر بها العالم العربي، وتحديات قاسية تواجهه. ثم إذا بالاعتداءات الآثمة على المملكة العربية السعودية الشقيقة تأتي لتجسد حجم المخاطر التي تواجهنا، لتلخص الموقف الصعب الذي ينبغي على العرب ـ من خلال جامعتهم أو خارجها ـ أن يتعاملوا معه. جاء العدوان الآثم على أطهر بقاع الأرض عند الحرم النبوي الشريف، لتسقط كل الأقنعة، ويبدو المشهد على حقيقته التي تجاهلها الكثيرون بقصد أو من دون قصد. وهي أن العروبة والإسلام هما المستهدفان من عدو لا دين ولا وطن ولا أخلاق لديه.

وأن المؤامرة أكبر مما تصور الكثيرون، وأن المواجهة لم تعد اختياراً يخضع للظروف أو التوجهات، بل أصبح واجباً دينياً وفرضاً وطنياً على كل عربي ومسلم.. بل وعلى البشرية كلها بعد أن أدرك الجميع أن الإرهاب ملة واحدة، وأنه لا يعرف حدوداً يقف عندها، ولا يتورع عن المساس بأقدس المقدسات بعد أن باع نفسه في سوق العمالة، وفقد كل معنى للإنسانية وكل إيمان بالوطن، وكل حرص على دين كان وسيظل عنواناً للتسامح والمحبة بين البشر أجمعين.

مشهد التاسع والعشرين من رمضان في الأرض المقدسة بالسعودية الشقيقة يعكس التحدي كاملاً. في اليوم نفسه الذي شهد المحاولة الآثمة للعدوان على المسلمين بالمسجد النبوي الشريف، كانت هناك محاولات تفجيرات أخرى، صحيح أن معظم المحاولات فشلت، وأن عدد الشهداء من رجال الشرطة الذي حموا المسجد النبوي كان محدوداً للغاية وأن الأمر لم يصل للكارثة التي كان يرجوها شياطين الإرهاب.

لكن المشهد يعطينا الدلائل على استهداف المملكة السعودية والأرض المقدسة، ويعطينا التأكيدات على أن الإرهاب ملة واحدة، وأن المخطط الذي يتم تنفيذه يشارك فيه العملاء من عصابات الدواعش وباقي جماعات الإرهاب، والحرس الثوري الإيراني، مع أعداء العروبة والإسلام لزرع الفتنة الطائفية، ولجر كل الوطن العربي والعالم الإسلامي في صراع مدمر لسنوات طوال.

لم يعد هناك مجال للتسامح مع أي فصيل من فصائل الإرهاب الأسود.. من الإخوان أصل البلاء، إلى القاعدة والدواعش وغيرهم من العصابات التي ترفع راية الإسلام لينتهي بها المطاف وهي تستهدف قبر الرسول الكريم وسيد البشر أجمعين.

ولم يعد هناك مجال لأي طرف يدعم هذه الجماعات مالياً وسياسياً وعسكرياً، أو يفتح لها مجال الإعلام ويسخر لها قنواته التلفزيونية لتنشر دعوات الإفك، وهو يعرف أن من يحالفهم من الإخوان هم أصل البلاء، وأن ما يفعله يجعله شريكاً في الجرائم التي تتم بحق العرب والمسلمين، وبحق الله ورسوله الكريم.

ولم يعد هناك مجال لغض البصر عن حقيقة أن إرهاب الإخوان والدواعش، يقابله ويدعمه إرهاب الحرس الثوري الإيراني وفروعه والذي يستهدف مد نفوذه لكل العالم العربي بعد إغراقه في صراعات مذهبية وحروب طائفية كان العراق نموذجاً لها طوال السنوات الماضية منذ الغزو الأميركي المدعوم من إيران، وهو النموذج الذي يراد تعميمه في عالمنا العربي إذا لم يع الدرس وينتبه للمؤامرة ويتوحد لضربها.

نعرف أن التآمر لم يتوقف على مدى السنين الماضية لضرب أي محاولة للعمل العربي المشترك، وأن البعض كان ـ وما زال ـ يلعب دور حصان طروادة لمنع الجامعة العربية من أن تكون أداة فاعلة للتضامن العربي، وأن الصراعات الحقيقية أو المفتعلة مزقت الصف العربي وأجهضت كل محاولات تطوير الجامعة.. لكن ذلك كله لم يمنع أن تتوحد القوى العربية الفاعلة في لحظات الخطر وتقرير المصير، فعلنا ذلك في حرب أكتوبر المجيدة، وكان دور زايد العظيم، رحمه الله، مشهوداً وتاريخياً. وفعلنا ذلك قريباً حين وضعت الإمارات والسعودية كل إمكانياتهما مع شعب مصر وهو يسقط حكم الإخوان الفاشي في 30 يونيو قبل ثلاث سنوات.

ولا أظن أننا الآن أمام خطر أقل حين يصل الجنون لحد تهديد الحرم النبوي الشريف، وحين يصبح تدمير الدولة العربية هدفاً لكل قوى الشر المتربصة بنا، بعد أن سقطت كل الأقنعة وأصبح واضحاً أننا نواجه عدواً واحداً بأوجه مختلفة.. بدءاً من قاسم سليماني وما يمثله إلى القرضاوي والبغدادي وباقي عصابة الإرهاب الذي تثبت الأحداث يوماً بعد الآخر أنه ملة واحدة.

وما نحتاجه الآن هو الحرب الشاملة ضد هذا الإرهاب بكل أوجهه، حرب نواتها القوة العربية التي أثبتت قدرتها على المواجهة والتي تتصدرها مصر والسعودية والإمارات وباقي الدول التي واجهت الخطر بشجاعة، والتي رفضت في ساعة الحسم كل الضغوط للإبقاء على جرثومة الإرهاب الأساسية التي جاء بها الإخوان قبل ثمانين عاماً، والتي خرجت من عباءتها كل الجماعات الإرهابية التي تدعي الإسلام. كما رفضت ـ في الوقت نفسه ـ كل محاولات مد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية مشددة على وحدة العرب ـ سنة وشيعة ـ في مواجهة التآمر والعدوان الخارجي.

Email