رسائل صارخة في الانتخابات الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن سنة 2016، وللوهلة الأولى، لا تشبه أي سنة انتخابية أخرى في تاريخ أميركا. فلأكثر من ثلاثين عاما، ظل كل من هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب، مشاهير بارزين ومثيرين للجدل. ووصم كل منهما بالفضائح وبات ينظر إليهما بنظرة سلبية من قبل ملايين الناخبين. وبينما تواجه الأولى اتهامات فدرالية محتملة، يجري رفع دعوى قضائية ضد الأخير بشأن »جامعة ترامب«.

في حال تم انتخاب كلينتون، فإنها ستكون أول امرأة تشغل منصب الرئيس في تاريخ البلاد. وإذا ما فاز ترامب في الانتخابات، فإنه سيمثل أول رئيس يتقلد المنصب من دون أن يكون قد شغل، سابقاً، منصباً سياسياً أو في الحكومة، أو حتى رتبة عسكرية عالية.

ومع ذلك يمكن أن يثبت سباق الانتخابات بأنه مألوف أكثر من وصفه بغير التقليدي. يعتبر ترامب شخصاً فظاً، على نحو فريد. ولكن بإلقاء النظر على بعض شخصياتنا السياسية المثيرة للجدل، يجد المرء خطاباً متشدداً قابلاً للمقارنة. فقد قال حاكم كاليفورنيا، رونالد ريغان، ذات يوم في جامعة كاليفورنيا، وذلك تبعاً لمتظاهري بيركلي: »إذا تطلب الأمر إراقة الدماء، دعونا ننهي الأمر..

ولا مزيد من التهدئة«. وحينما اختطف »جيش التحرير التكافلي« الوريثة باتي هيرست، وأجبر عائلتها على توزيع الطعام على الفقراء، سخر ريغان قائلاً: »الأمر سيء للغاية في عدم قدرتنا على إيجاد وباء التسمم الغذائي«. فضلاً عن سخرية الرئيس الأميركي باراك أوباما من جدته، بقوله إنها كانت »امرأة بيضاء نموذجية«، ودعوته مؤيديه لمواجهة معارضيه، مستحضراً عبارات مختلفة، منها:

»أحضر بندقية في نزال بالسكاكين«، وذلك في محاولة لهزيمة مؤيديه خلال أول حملة انتخابية له، فضلا عن مقارنته مهاراته السيئة في لعب البولينغ، بمستوى المنافسة المفترض في الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص.

لقد أقسم الجمهوريون بأنهم لن ينتخبوا دونالد ترامب قائلين: »لا لترامب أبداً«. ويذكر مؤيدو بيرني ساندرز، المحبطون، بأنه لا يمكنهم تخيل التصويت لصالح هيلاري كلينتون. ولكن بحلول شهر نوفمبر المقبل، ستعمد الغالبية العظمى في كلا الحزبين لدعم مرشحيهم.

ولكن لماذا كل ذلك؟ فبالنسبة إلى كافة عيوب كلا المرشحين الرئاسيين، حيث إن ترامب هاوٍ سياسي يفتقر للانضباط أما كلينتون فهي شخصية تتصف بالشبهة، سيواصل كلاهما إيجاد جداول أعمال سياسية متعارضة، على نحو ملحوظ، ناهيك عن تقديم وجهات نظر مختلفة عن مستقبل أميركا السليم، وذلك بشكل جوهري.

صحيح أن كلا المرشحين منتهزان للفرص بحيث يظهر افتقارهما الشديد للمعتقدات الراسخة. ولكن حتى الآن، تعهدت هيلاري كلينتون للجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وتنكرت، إلى حد كبير، للكثير من جداول الأعمال الوسطية الخاصة بإدارة زوجها بيل كلينتون خلال تسعينات القرن الماضي. وبالنسبة إلى ترامب، تبعاً لكافة تناقضاته، إلا أنه يعتبر، على الأقل حتى هذه اللحظة، أكثر تحفظا مقارنة بكلينتون. كما لا يتم النظر لكليهما، من قبل الجانب الآخر، على أنهما وسطيان.

يعتبر دونالد ترامب قومياً يتخذ النهج الجاكسوني، ممن قد يختار، على الأرجح، أصدقاء أميركا وأعداءها على أساس المصالح الوطنية. في حين قد تواصل هيلاري كلينتون سياسة أوباما الخارجية للقيادة من الخلف. كما من المحتمل أن يعمد ترامب لتعديل القوانين الضريبية وخفضها، إلى جانب خفض الإنفاق على التنظيمات الحكومية، والسعي لإيجاد حلول اقتصادية موجهة نحو الأعمال. فيما قد ترفع كلينتون الضرائب على فئات الدخل العالي، مع توسيع نطاق حكومتها في مواصلة تعاليم باراك أوباما.

تشير الفرص إلى أن ترامب قد يسهم في تقليل الإنفاق العام، ويزيد من الإنفاق على أغراض الدفاع العسكري. ومن المرجح أن توسع كلينتون من الاستحقاقات، وتحد من الإنفاق العسكري تبعاً للمعايير السابقة. وبشكل محتمل، سيفي دونالد ترامب بوعوده في إغلاق الحدود في وجه الهجرة غير الشرعية، من خلال بناء جدار عازل. وبالمقابل، من المرجح أن تحافظ كلينتون على سياسات إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المتمثلة في التساهل مع الهجرة، مع احتمال تقديم عفو رسمي.

وأخيراً، قد يعارض ترامب فرض المزيد من السيطرة على السلاح، ويتبع جدول أعمال »الجمعية الوطنية للبنادق«. فيما قد تضاعف كلينتون، ومن دون ريب، من جهود إدارة الرئيس أوباما لجعل حيازة السياح أمراً أصعب.

وعلى الجانب الآخر، في حال شعر الناخب أن باراك أوباما، يشكل بحسب كلمات ترامب »كارثة«، فسيمثل ترامب تحولاً في الاتجاه المعاكس.

ولكن في النهاية، وعلى غرار أغلب الانتخابات فإن انتخابات عام 2016 لاتزال خياراً سياسياً صارخاً بين رسالتين مختلفتين.

 

Email