التصوير الضوئي في الشرقين الأدنى والأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن رؤية الشرق من منظور المصورين الرحالة خلال الأيام الأولى لفن التصوير الضوئي، غالباً، بمثابة سجل موضوعي، بل كانت تفسيراً غربياً للمشهد.

ومع ذلك، حينما سمحت التقنيات المحسنة، في نهاية القرن التاسع عشر، باستخدام الألواح الضوئية الجافة، لم تطرأ زيادة في أعداد كل من المصورين المحترفين والهواة، ممن زاروا الشرق، وحسب، بل أيضاً، وهو الأهم، طرأ تزايد في أعداد المصورين، الذين أصبحوا مقيمين في تلك البلدان. لينتج عن ذلك تفسير أقل اتساماً بالطابع الرسمي، وأكثر تعاطفاً، فيما يتعلق بحياة وأعراف السكان.

تمثل الموضوع الجمالي الجديد في التصوير بتقديم الأشياء كما هي. واجتذب ذلك التوجه الجديد اهتماماً كبيراً بالتصوير الضوئي، حيث أعطى الفن المتطور والتقنيات عامة الناس أداة قوية للتصوير بوضوح وببساطة ودقة. واستدعي المصورون لالتقاط صور تتناول العديد من الموضوعات، لأجل المعرفة الحقيقية والتمحيص البصري الموضوعي للعالم، وذلك على أساس ما كان يمكن ملاحظته مباشرة.

لقد كان السفر إلى أراضٍ أجنبية خلال القرن التاسع عشر مكلفاً للغاية بالنسبة للجميع، باستثناء عدد قليل جداً من الأغنياء. وقد اشترى هواة الساحة المتعطشون للمعرفة الجديدة ملايين الصور، مما أدى لانتشار هائل للصور، ولا يزال الكثير منها معروضاً اليوم في المتاحف وصالات العرض في أرجاء مختلفة من العالم.

لقد كان المصورون في ذلك الوقت بالتأكيد شخصيات معقدة، فهم ليسوا محترفين للغاية، ولا هواة فعليين، بل إنهم لم يزعموا أنهم فنانون. إذ كان لديهم في الغالب نوع من التعليم التشكيلي، مع إدراك أوسع نطاقاً للثقافة، فمن خلال صورهم يمكن التعرف على بساطة التركيب والتكوين، وجودة التصوير المباشر والتحرر من الخداع، وعن البداهة، وقد تم اعتبار جميع ما سبق الأكثر مباشرة وعفوية من الوسيط البصري.

يبدو أن عام 1839 كان بمثابة بدايات لانتقال المصورين إلى الشرقين الأدنى والأوسط الجديد، عبر بعثاتهم المختلفة. وقبل ذلك التاريخ، تم اشتقاق المعرفة التصويرية لتلك الأراضي وغيرها من خلال النقوش النحاسية، أو الطباعة للرسومات. كما تمت الإشارة إلى سحر الشرق من قبل جي تشارفيت، في مقدمة كتاب بونيفل بعنوان: »هدايا تذكارية من المشرق« (1877- 1887).

عمل المصورون عام 1839 في اليونان وروسيا، والأراضي المقدسة، ومصر. وقد أوحت تلك البلدان بمفاهيم تطوير سلسلة كاملة من الوثائق الضوئية، عوضاً عن مجرد مجموعات من الهدايا التذكارية.

لقد أصبح الشرق الأدنى ساحة نشطة للأبحاث الأثرية واللغوية. وتمثل أحد التطورات الكبيرة في الوثائق الضوئية التي التقطها الفرنسي ماكسيم دو كامب، أواخر عام 1840، وهو كاتب ورحالة معروف حظي ببعثة من وزارة التعليم العام لإجراء رحلة لمصر، والنوبة، والأراضي المقدسة.

ليعود مع 200 لوحة ورقية، كمجموعة مختارة وهي مجموعة اختار منها بلانكوارت وباودري وجيد في عام 1852صوراً نشروها في كتاب بعنوان »مصر والنوبة وفلسطين وسوريا«.

وتلك هي الطريقة التي ولد بها الترحال وتصوير المناظر الطبيعية. وعلى الرغم من جذب الإمكانيات التجارية للتصوير لعدد من المصورين الفاشلين وغير الأكفاء، إلا أن بعضهم أبقوا على تفانيهم لفن التصوير الضوئي، و تعتبر أعمال المصور الإنجليزي فرانسيس فريث (1822- 1898) من بين الأعمال الأكثر شهرة في هذا الصدد.

فقد كان المصور الرائد خلال عقد خمسينيات القرن التاسع عشر. وباعتباره أحد أكثر المصورين البريطانيين إنتاجاً، أصبح يعرف دولياً لأعماله التي أنجزها خلال البعثات الثلاث المنفصلة خلال عامي 1856 و1860، وذلك إلى مصر والأراضي المقدسة.

كما أصبحت شركة فرانسيس فريث الخاصة التي تدعى »فرنسيس آند فريث كو« بإنجلترا، أكبر منفذ نشر في أوروبا تبعاً لآراء المسافرين، ليتم إصدار آلاف الصور لتلبية الطلب في ذلك الوقت.

ناهيك عن إنتاج الاستوديو الخاص به لنحو ألفي نسخة من كل أشرطة الصور لمجلدين، يحويان صوراً لمصر وفلسطين، نشرها جيمس فيرتشو خلال 1858 -1859، فضلاً عن مجموعة من أربعة مجلدات، لسيناء، ومصر، وأراضي مصر المنخفضة، وفلسطين، وإثيوبيا. وقد ظهر مبتكر خلاق آخر، يدعى غوستاف لو غراي، ولكن للأسف لم يجر حفظ سوى قدر قليل للغاية من أعماله.

قدم الدبلوماسي الألماني ويلهلم فون هيرفورد، في عام 1856، أعمالاً ممتازة بتقنية »تالبوتايبس«، وذلك أثناء توليه مهام نائب القنصل في مصر، وأيضاً في فلسطين، وتحديداً تدمر. وتمت الإشارة إلى فيليس بيتو وجيمس روبرت، لاشتراكهما في مغامرات في بلدان عدة، بما في ذلك مصر وفلسطين. فقد كان بيتو من البندقية، وأصبح في النهاية من الرعايا البريطانيين في مالطا.

لقد غطى هذا الثنائي حرب القرم، من خلال تصوير ساحات القتال، مسجلين الاستيلاء على مدينة سيفاستوبول. ليسافرا من هناك لأثينا، ومصر، وفلسطين. ويوجد اسم آخر معروف في الشرق الأوسط هو »بونفيل«، فالصور التي التقطتها عائلة بونيفيل هي الأكثر تعبيراً وإثارة للعواطف بالنسبة إلى الصور التي رصدت ذلك الجزء من العالم خلال القرن الماضي.

 

Email