محمد بن راشد ينقب في التاريخ ويعيد بناءه

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشرفنا قبل أسبوعين بالحضور أمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وأنجاله الكرام، في قصر البحر بدعوة من نادي الصحافة، للاستماع إلى محاضرة ألقاها الدكتور عيد اليحيى الباحث السعودي في شؤون الآثار في الجزيرة العربية.

وكان الحديث شيقاً لأنه انصب في مجمله على المنطقة الأثرية المكتشفة بالقرب من المرموم في دبي وهي آثار ساروج الحديد.

وتخللت المحاضرة نُبذاً عن تاريخ دبي والإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالآثار الموجودة وعن التكوين الديمغرافي لبعض المناطق الحضرية وعلى العموم كما أشرنا كان الحديث شيقاً، ولكنني شخصياً شأني شأن غيري من المتابعين والمتحرين الدقة أنظر بشيء من التحفظ على كل ما أدلى به المحاضر، لأني أعتقد أن الوقت مازال مبكراً للعودة إلى الجذور التاريخية للآثار التي تكتشف، وتكوين الآراء النهائية حولها، كما أني لا أتفق مع الأستاذ المحاضر عن الوقائع التي أوردها عن التجمعات الحضرية والديموغرافية في المناطق كالشندغة وديرة على سبيل المثال الذي لا يزيد فيهما عُمر مثل هذا التجمع الحضري عن مئتي عام أو نحو ذلك، كما تشير إليه الوثائق والرسومات التخطيطية التي أعدت من قبل البعثات الإنجليزية وأهمها الخرائط الجغرافية قبل الربع الأول من القرن التاسع عشر أو بالتحديد عام 1819.. ومع ما ذكرت من تحفظ فإني أشيد بالمحاضر الدكتور عيد اليحيى على مثابرته لاكتشاف ما تصدى له، وأعتبره مجتهداً وللمجتهد أجر حتى ولو لم يصل إلى الدقة في الصواب كما يقول فقهاء الشريعة..

والحقيقة أن موضوع هذا الحديث وما أنا بصدده في مقالي هذا متعلق بما أشعر به ويشعر به كل متابع من مواطنين وغيرهم من تقدير منقطع النظير ونقف مع هذا المتابع، محيين القائد المبجل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فهذا القائد، في خضم ما يبحث عنه من جديد كتعمير وعمران حداثيين، ويخطط لهما، يبحث في الوقت نفسه عن مآثر ما تركه التاريخ لينفض عنه ما علق به من غبار ويعيد بناءه وتلميعه وتوصيل ما قطعه الزمن وإحياءه من جديد، ويقول للناس ولأهله وللعالم، ها نحن..

نبني كما كانت أوائلنا

                   تبني، ونفعل مثل ما فعلوا

وها هي منطقة ساروج الحديد أو ساروي الحديد، كما يلفظها الأهالي، التي اكتشفها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، بنفسه قبل أن يدعو لنبشها من قبل الخبراء في الآثار، إذ كان سموه في جولة في هذه المنطقة ذات الكثبان الرملية العالية قبل حوالي 14 عاماً، ورأى سموه أن الطعوس الرملية في مساحة شاسعة من هذه المنطقة تمتد شمالاً وجنوباً بينما عرفت هذه الطعوس جيولوجياً أن امتدادها في اتجاه الشرق والغرب، وعرف سموه بثاقب بصر أن شيئاً غير مألوف قد يتعلق بهذه الطعوس، فنزل من سيارته وأخذ يحفر حفراً في جوانب مختلفة من إحدى التلال ورأى في الباطن تراباً مختلطاً بمسحوق الحديد، وحس بفطنته أن هذا التراب يخبئ في جوفه آثاراً أو مرافق قد تكون بالغة الأهمية.

ومن يومها تم استدعاء الخبراء في علم الآثار والمنقبين، وبعد فترة وجيزة عثر في الجوف وتحت إحدى التلال على آثار معدنية وذهبية وفخارية يربو عددها على عشرة آلاف قطعة على مساحة من الأرض لا تشكل 15% من أرض هذه المنطقة، منطقة ساروج الحديد، وعلى فكرة فليس الاسم هو ساروق الحديد كما جاءت في نشرة البلدية، وكما جاء على لسان المحاضر والباحث السعودي، وإنما الاسم الصحيح هو ساروج الحديد...

وهنا أيضاً تدلنا الوقائع أننا قد نكون أمام اكتشاف حضاري في منطقة الساروج، لا يقل إن لم يفق ما اكتشف في جزيرة أم النار في أبوظبي وفي مناطق أخرى في الإمارات.

وها نحن اليوم كما أسلفنا القول أمام شخصية بانية وإعمارية تحدوها رغبة جامحة في أن تربط عرى الماضي بالحاضر عن طريق إضافات من البنيان الحضاري، وجعل المجتمع الإماراتي يفاخر بماضيه كما يفاخر بحاضره. وهذا الباني والإعماري والمبتكر القدير هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أطال الله بقاءه.

Email