التنوع مصدر قوة أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتشكل تاريخ الدول، غالباً، من خلال التجانس العرقي والعنصري، لا التنوع العرقي. وتعكس معظم الحدود الوطنية التجانس اللغوي والعرقي والطائفي والديني، فحتى القرن العشرين كان التنوع يعتبر مسؤولية، وليس قوة.

لقد شعرت الدول والمجتمعات التي كانت متجانسة عرقياً، كالقبائل الجرمانية القديمة أو اليابان الحديثة، بأنها أكثر أمناً واستقراراً في الأساس مقارنة بالبدائل، سواء كانت إمبراطورية رومانيا القديمة أو أميركا المعاصرة.

كما أوجدت الكثير من المجتمعات كلمات لتسلط الضوء على نقائها العرقي، منها كلمات مثل »فولك« في ألمانيا، و»رازا« في إسبانيا، و(راززا في إيطاليا)، وقد كانت تلك الكلمات تعني أكثر من مجرد لغة، وثقافة، أو محل إقامة مشترك، بل تضمنت أيضا الجوهر العرقي. وحتى وقتنا الحالي، سيكون من الصعب قبول شخص ياباني، بشكل كلي، كمواطن مكسيكي، أو أن يهاجر مواطن مولود في المكسيك ويصبح مواطناً يابانياً.

لقد كانت دول البلقان، خلال القرن العشرين، محط البراميل المتفجرة إبان حروب العالم، لأن المجموعات المختلفة أرادت تغيير الحدود الوطنية لتعكس أعراقها المستقلة. وتمثل منطلق ألمانيا النازية بدمج كل سكان ألمانيا البسطاء »فولك«، في تجانس عرقي واحد متناغم لغوياً وهو »الرايخ«..

وذلك حتى لو تطلب الأمر تدمير الحدود الوطنية لكل من النمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا. ويبني دستور المكسيك، وعلى نحو غير قابل للاعتذار، سياسات الهجرة الوطنية من دون التعرض للبنية العرقية في المكسيك.

لقد حققت الدول، القديمة والحديثة، التي حاولت توحيد القبائل المختلفة، نجاحاً متدنياً. فقد دامت الجمهورية الرومانية الإيطالية لنحو 500 عام تقريباً. وبالمقابل، عملت الإمبراطورية الرومانية متعددة الأعراق، في عام 212 قبل الميلاد، على تحقيق المساواة بين جميع مواطنيها باختلافهم، لتصمد لأكثر من قرنين، وقد قاست خلالها العنف، عادةً.

لقد استخدمت الإمبراطوريات المتنوعة عرقياً، على نحو كبير، كالإمبراطورية النمساوية المجرية، والعثمانية، والسوفييتية، القوات المميتة لإبقاء الفصائل العرقية المتشاحنة على خط واحد، ولتتفادى قتل بعضها البعض.

وغالبا ما أثبتت الدول الحديثة، المتعددة في الأعراق أو القبائل، كرواندا والعراق ولبنان، إخفاقات مهلكة. وتحاول أوروبا مطابقة ثقافات أميركا متعددة الأعراق والموحدة. إلا أن الاتحاد الأوروبي قد يقسم نفسه إلى نصفين محاولاً استيعاب ملايين المهاجرين المختلفين، المترددين في الاندماج الكلي.

تعتبر أميركا استثناءً تاريخياً. فقد بدأت كدولة جمهورية أسسها المهاجرون الأوروبيون. وعلى غرار المواطنين المتجانسين في معظم الدول الأخرى فقد كانوا، بشكل محتمل، في مسار يدمج التماثل العنصري باعتباره علامة للمواطنة. إلا أن المنطق النهائي لدستور أميركا الفريد كان مختلفا.

وبالتالي تطورت البلاد، بشكل مطرد، لتحدد مواطنيها الأميركيين من خلال القيم المشتركة، وليس عبر مظهرهم السطحي. وأخيرا، أصبح من كان راغباً بالتخلي عن هويته الأصلية، ليحصل على هوية أميركية جديدة، أميركياً.

لطالما عززت أميركا روح نظامها الذي يدمج مختلف الناس في مزيج واحد، من خلال الاستيعاب والاندماج والزواج. فعندما تمت السيطرة على المهاجرين، فضلاً عن اتباع منهج مقترن بالثقة لاستيعابهم، ازدهرت أميركا.

ساهمت الكثير من المجموعات العرقية في إنعاش البلاد بالفنون المتنوعة، والطعام، والموسيقى، والأدب، بينما تم قبول ثقافة مشتركة للقيم والمؤسسات الأميركية.

وقد ظهرت المشكلات عندما كانت الهجرة غير قانونية في الغالب، وبأعداد كبيرة من دون التركيز على استيعابها. وفي وقت ما في أواخر القرن العشرين، تخلت أميركا، بشكل كبير، عن التعددية العرقية واختارت تعدد الثقافات بدلا منها.

وغالباً ما تتبعت الحكومة النسب العرقي المعقد للأميركيين. وعادة ما كان القبول في الوظائف والجامعات يتم على أساس المحاصصة والنسب العرقي. ناهيك عن أن المدارس قد بدأت بتدريس أن الفروق والتنوع العرقي أمر محبذ للتشابه والوحدة. وجرى تصنيف كل من الناقد الأدبي إدغار آلان بو، والروائي لانغستون هيوز، باعتبارهما »بيضاً« أو »سوداً« عوضاً عن كونهما مؤلفين »أميركيين«.

قد يفسر الظلم والتمييز في السابق رد الفعل الحالي ضد انصهار ووحدة الشعب في بوتقة واحدة. وقد ساهمت مثالية أميركا الفائقة في انتقاد المفهوم السابق بكونه أقل من الجيد.

وحتى الآن، تجاوزت أميركا الصعاب وظلت متعددة الأعراق عوضاً عن كونها متعددة الثقافات. لذلك أصبحت أقوى دولة في العالم. لذلك يجب علينا تذكر أن التنوع بمثابة زخرفة، غير أن الوحدة هي مصدر قوتنا.

 

Email