التطرّف قبل وبعد 11 سبتمبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

معظم ما يكتب ويقال اليوم حول الإسلاميين المتطرفين، كأفراد وجماعات، مختلف كثيراً عن الماضي القريب. فمعظم المعلقين الغربيين، وكذلك الأغلبية من العرب، كانت تصنف الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم «القاعدة»، على أنها حركات محرومة من حقوقها السياسية في بلدانها، ولهذا، كانت تلجأ لممارسة العنف. والبلدان الرئيسان اللذان اتهما بالتضييق على أسامة بن لادن وجماعته، هما مصر والسعودية. وكان العنف الذي يبررون له آنذاك، يشمل سلسلة من التفجيرات في مصر، وعمليات وتهديدات استهدفت السعودية. «القاعدة» شر خطير، وبن لادن إرهابي، سنوات قبل أحداث سبتمبر، لكن أحداً لم يصدق قبل ذلك التاريخ.

في عقول الكثيرين، تاريخ «القاعدة» ولد مع العملية الإرهابية الأشهر، في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم توجد قبل ذلك. الحقيقة «القاعدة» كانت موجودة تنظيماً وفكراً وقيادة، إنما الذي تغير صورتها في الإعلام. التنظيم ظل هو نفسه. فمعظم التحليلات التي كتبت في الصحف الغربية، الأميركية والبريطانية تحديداً، قبل ذلك التاريخ، كانت تصر على أن التنظيم المتطرف وزعيمه، هم نتاج التضييق، وتكرر نشر مقولة بأن «القاعدة» حركة سياسية مضطهدة، يمكن التعامل معها وتطويعها. وسبق أن طالبت وزارة الخارجية الأميركية من الحكومة المصرية، وقف ملاحقة واضطهاد أفراد الجماعات الإسلامية التي كانت ترفع لواء الجهاد.

حينها، في التسعينيات، كنت أعمل في مجلة المجلة، ولاحقاً، صحيفة الشرق الأوسط، في لندن، وعلى تواصل مع عدد من الإعلاميين هناك، وأحضر نشاطات المؤسسات الفكرية المختلفة. كان العديد من المهتمين بشؤون منطقة الشرق الأوسط، مقتنعين بأن مطالب أسامة بن لادن سياسية، المشاركة وحرية التعبير، وأن القاعدة فقط مجرد معارضة سياسية للحكومة السعودية. والأمر نفسه كان يقال بالنسبة لرفيقه أيمن الظواهري، الذي له تاريخ أطول في الإرهاب. كانوا يعتبرونه معارضاً لحكومة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وليس زعيماً لجماعة ذات فكر أممي إرهابي. لم يستوعب كثيرون طبيعة التنظيم وأفكاره التدميرية، وهذا الأمر ينطبق على الحكومات الغربية، التي اعتبرت التنظيم المتطرف ضمن الحركات السياسية المعارضة فقط، ولم تعِ خطورة فكره الفاشي.

في الحقيقة، كان نشاط «القاعدة» قائماً ومعروفاً منذ عام 1993، ومع هذا، كان التنظيم وزعيمه يحظيان بشيء من التعاطف في الإعلام الغربي، رغم طروحات العنف الصريحة التي كان يعلنها، ليس ضد مصر والسعودية فقط، بل كان معظم عدائه للغرب، وكذلك رغم العمليات العسكرية التي ارتكبها، وتحديداً في مصر والسعودية، ونفذ بعضاً منها ضد مصالح أميركية. وإرهابه في مصر، نفذه تحت مسميات جماعات محلية إرهابية تشترك معه في الفكر، ووصلت تفجيراتها إلى وسط القاهرة. وبدأت مطاردته خارجياً من قبل الأجهزة الأمنية المصرية آنذاك، عندما اكتشفت أنه مرتبط بقيادة التنظيم التي كانت تقيم في السودان، وتحديداً ببن لادن وأيمن الظواهري، الذي فر من مصر إلى السودان مطلوباً في نشاطات إرهابية.

بسبب تلك الأحداث الإرهابية المسلحة في مصر، أسقطت الحكومة السعودية جنسيتها عن بن لادن في منتصف التسعينيات. وبسبب حملة الحكومتين المصرية والسعودية الأمنية، صارتا هدفاً مفضلاً للإعلام الغربي، من منطلق الدفاع عن مفهومي الديمقراطية وحرية التعبير. ولا أتذكر حينها أن أحداً كان يتبنى وجهة نظر مخالفة لهذا الرأي. استمر التبرير لـ «القاعدة»، التي ترتكب إرهابها باسم الإسلام، إلى اليوم الذي نفذ تنظيم القاعدة عمليته الإرهابية ضد الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر. لم تكن تلك جريمته الأولى، لكنها كانت تاريخياً فاصلة، جعلت الجميع يكتشف أن «القاعدة» ليست جماعة سياسية معارضة، بل تنظيم إرهابي عالمي خطير.

أما لماذا نتحدث الآن عن حالة الالتباس القديمة نسبياً؟، السبب أن هناك من يرغب في العودة لقراءة أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتوجيه اللوم للضحايا الأصليين، مثل السعودية ومصر. لا تكفي قراءة فصل واحد، أي التحقيقات في عملية سبتمبر الإرهابية، بما فيها الـ 28 صفحة التي يقال إنها حُجبت، لأنها تتضمن معلومات سرية عن أفراد سعوديين، بل لا بد من قراءة رواية تنظيم «القاعدة» كاملة.

فقد تغيرت نظرة العالم بعد تلك الأحداث، وأصبح الجميع تقريباً على اتفاق بأن التنظيم والفكر إرهابي، ولا بد من مكافحته، أما قبل ذلك التاريخ، فقد كان من يقاتل التنظيم ورجاله، يتعرض لنقد شديد.

في رأيي، لا يمكن للعالم مواجهة «القاعدة» و«داعش»، وهي حالة فكرية وتنظيمية قابلة للاستمرار إلى عقود مقبلة، والانتصار، إلا بفهم ظروف نشأة الفكر وتاريخه.

Email