إطلالة على العصر الذهبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العصور الوسطى، كان للاتصال بين الحضارة الإسلامية والغرب في إسبانيا وصقلية، وعبر الحملات الصليبية، تأثير عميق في الثقافة. وخلال سيطرة المسلمين على إسبانيا بين عامي 711-1492، قاموا بدور حاسم في تطوير الفن والعلم والأدب والفلسفة.

وانتشرت الثقافة الإسلامية على يد المستعربين الإسبان، الذين عاشوا تحت الحكم الإسلامي، وفي المقام الأول، استعادة الأندلس، وفتح سقوط طليطلة عام 1085، وقرطبة عام 1236 وإشبيلية عام 1248، الباب أمام الثقافة الإسلامية لكي تدخل أوروبا، ووضع الحرفيين المسلمين تحت الحكم المسيحي.

وانتشر الفن الإسلامي في جميع أنحاء إسبانيا. وساهم الحرفيون المسلمون في إبداع الأسلوب الوطني في العمارة والفنون الأخرى، لا سيما الخزفيات والمنسوجات، التي كانت مطلوبة من البلاطات والكنائس في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا.

لكن الإسهام الأكبر الذي قدمه المسلمون للغرب، إلى جانب العلم، هو في الفلسفة. حيث استعادوا الفكر اليوناني وفسروه. وطوروا الفلسفة اليونانية إلى السكولاستية ونقلوهما إلى الغرب. وبدأت هذه العملية في بغداد في القرن التاسع، مع ترجمة الأعمال اليونانية، لا سيما كتابات أرسطو، ومع مساعي المفكرين المسلمين لصياغة الطروحات الدينية في ضوء الفلسفة.

وقد مرر الوسطاء المسلمون في حينها، أرسطو والفكر الإسلامي إلى إسبانيا، حيث تم تطويرهما خطوط مناظرة من قبل فلاسفة مسلمين وغيرهم، مثل ابن رشد وموسى بن ميمون. وتحولوا إلى مفكرين مسيحيين، مثل توما، ونقلا إلى مفكرين مسيحيين، مثل القديس توماس الإكويني.

جاء تأثير الفكر الإسلامي، نتيجة لقرنين من الترجمة والدراسة. وعقب سقوط طليطلة، فإن كثيراً من الباحثين اللاتينيين، ومنهم باحثون إنجليز، مثل أديلارد أوف باث وروبرت انغليكوس ومايكل سكوت وآخرين، قدموا إلى إسبانيا، سعياً وراء الثقافة الإسلامية. وانطلق نشاط مكثف في مجال الترجمة، وبمساعدة طلاب وباحثين، ترجمت إلى اللاتينية كتب عربية عديدة على يد مترجمين بارعين، مثل أفنديث وجيرار أوف كريمونا.

وخلال القرن الثالث عشر، أسست مدارس للترجمة والدراسات الشرقية في بلاط قشتالة، وذلك تحت رعاية ألفونسو الحكيم وبلاطات ملوك أراغون. وانتشرت الدراسات الشرقية في بلاط ملوك النورمان في صقلية، وبالأخص في بلاط فريدريك الثاني، ذلك أن صقلية حكمها المسلمون في القرنين العاشر والحادي عشر، وأنجز مزيج من اليونانيين والنورمانيين واللومبارديين والعرب ثقافة مركبة رائعة.

نشط الباحثون الاختصاصيون في اللغة العربية، والمترجمون من اللاتينية والعبرية وإليهما، مثل مايكل سكوت ويعقوب أناتولي، في ظل الرعاية الملكية من إسبانيا إلى صقلية، وانتشرت الدراسات الشرقية إلى بقية أنحاء أوروبا.

وتم إنجاز الكثير من الترجمات في بادوا، وانتشر التعليم الإسلامي إلى حد كبير في جامعات بولونيا وباريس وأكسفورد، وقدم على يد باحثين، مثل روجر بيكون وألبرتوس ماغنوس، واحتفظ بمكانته حتى بداية القرن السادس عشر. ولم تقتصر الترجمة من العربية على الأعمال الفلسفية، بل شملت الأعمال الأدبية.

وترجمت مجموعات عربية، مثل الحكايات والأساطير والأقوال. ومن هذه الأعمال »كليلة ودمنة«. وترجمت هذه من اللغة العربية إلى الإسبانية عام 1251. وفي فرنسا، ترجمت هذه المجموعة من الفارسية عام 1944.

وبالإضافة إلى ذلك، ترجمت مجموعة أخرى من أقوال الفلاسفة القدماء إلى اللاتينية. ومن هذه الترجمة، وجدت صياغات غربية عديدة.. هذه المجموعات وغيرها، أمدت كتاب الدراما والرواية، بمن فيهم بوكاشيو شوسر وشكسبير، ببعض المواد لأعمالهم..

Email