ازدراء سياسة أميركا الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد حذر مسؤولون روس، أخيرا، إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من تثبيت نظام جديد مضاد للصواريخ البالستية في رومانيا، متحدثين عن احتمال وقوع مواجهة نووية من شأنها تحويل الدولة المضيفة للنظام لـ»أنقاض ينبعث منها الدخان«، مع »إبطال مفعول« أي نظام دفاعي ترعاه أميركا.

ويأتي مثل ذلك الخطاب المروع عقب أشهر من البلطجة الروسية في السويد المحايدة، ومضايقة السفن والطائرات الأميركية، وإطلاق تحذيرات لدول حلف شمال الأطلسي في أوروبا، فضلاً عن التهديدات المستمرة لدول البلطيق.

لقد حذرت الصين أميركا، وحثتها على إبقاء سفنها وطائراتها بعيداً عن الجزر الاصطناعية والقاعدة العسكرية الجديدة في أرخبيل سبراتلي، الواقعة وسط بحر الصين الجنوبي .

يهدد قادة إيران، بشكل روتيني، بإغلاق مضيق هرمز الرئيسي. فيما تتعالى نبرات كل من كوريا الشمالية وتنظيم »داعش« إلى مستوى جديد من التهديدات، بدءا بتنفيذ هجمات نووية على أميركا ووصولاً إلى وضع قوائم لأميركيين كأهداف للقتل.

ويظهر تشابه بين التهديدات بالسلاح خلال العام الجاري، وبين الفخر والبلطجة من إيطاليا الفاشية، واليابان الإمبريالية، وألمانيا النازية، في ثلاثينيات القرن الماضي. ولكن لماذا كل ذلك الحديث الصارم، ولماذا الآن؟

لقد تآكلت مصداقية أميركا عقب الانسحاب من العراق عام 2011 وانهيار البلاد لاحقاً. وعقب الخطوط الحمراء الوهمية في سوريا، والإخفاق في إعادة ضبط الأمور مع روسيا، ناهيك عن الفشل الذريع في بنغازي، وخفض القدرات العسكرية، خسرت أميركا قوة ردعها القوية.

زعم الرئيس الأميركي بارك أوباما، خلال مقابلة أجراها، أخيراً، أن سياسته المتخبطة في سوريا، مثلت إحدى لحظاته المثيرة للفخر، كما قلل من شأن بعض حلفاء البلاد، (ومن بينهم على نحو مفترض بريطانيا وفرنسا)، باعتبار أنه من غير الممكن الاعتماد عليهم.

لقد ألمحت كل من اليابان وكوريا الجنوبية بالتوجه لحيازة قوة نووية، من منطلق عدم ثقتهما المتنامي فيما يتعلق بعقود من التعهدات الأميركية لحمايتهم من مضايقات الدول المجاورة، كالصين وكوريا الشمالية وروسيا.

وعمل نائب مستشار الأمن القومي وكاتب خطابات الرئاسة، بن رودس، في مقابلة مع مجلة »نيويورك تايمز«، أخيراً، على السخرية من مؤسسة الخارجية الأميركية. وتفاخر أيضا بخداع الصحافيين وخبراء السياسة للدفع باتجاه صفقة إيران من دون موافقة مجلس الشيوخ أو تأييد الرأي العام. ويبدو أن بن رودس يؤكد على اتهامات أن تلك الإدارة تحمل الازدراء للسياسة الخارجية التقليدية لأميركا.

إذا كان لنا أن ندرك كيف ومتى خسرت أميركا قابليتها على ردع الأعداء وحماية الأصدقاء. فلماذا غضب العالم، فجأة، خلال العام الأخير من رئاسة باراك أوباما؟

قد تؤكد المقابلات الأخيرة مع الرئيس الأميركي ومستشاريه على الانطباع في الخارج بأن النظام العالمي، أصبح لقمة سائغة، وذلك بينما تتراجع إدارة البطة العرجاء من دور قيادة أميركا كرائدة للعالم.

للاستفادة من ذلك الفراغ العالمي، بالنظر إلى بقاء ثمانية أشهر، وحسب، على انقضاء فترة باراك أوباما الرئاسية، فإن كلاً من روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وتنظيم »داعش« الإرهابي قد باتت تعتقد، بالفعل، بأن أميركا لن تفعل أي شيء لوقف تعدياتها، بمجرد بدئهم في تغيير وقائع العالم عن طريق استخدام القوة.

لقد باتت كل من كوريا الجنوبية واستونيا واليابان ورومانيا وجمهورية التشيك وبولندا والفلبين والكثير من الدول الأوروبية تتوقع التعرض للاستفزازات، مع المخاوف بأن تكتفي أميركا..

وحسب، بإصدار المزيد من الخطوط الحمراء، والمواعيد النهائية، والتهديدات الجوفاء، بدلاً من أن تهب لمساعدتها. إن المتعدين ليسوا متأكدين ما إذا كانت هيلاري كلينتون، في حال انتخابها، ستحكم البلاد كأي رئيس ديمقراطي تقليدي ملتزم بقيادة التحالف الغربي. وفي حال انتخاب دونالد ترامب فلن يعرف أي معتد، تماماً، لماذا أو متى أو كيف قد تكون الضربة الموجهة إليه.

 

Email