هيروشيما وأحداثها المأساوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إسقاط قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في أغسطس عام 1945 لا يزالان الاستخدامين الوحيدين للأسلحة النووية في التاريخ. ولا يعلم أي أحد كم عدد اليابانيين الذين قتلوا بالضبط إثر إسقاط هاتين القنبلتين النوويتين.

ويشير تخمين مروع إلى أن عدد الذين قتلوا وصل إلى 140 ألف شخص. وصدمت هذه الهجمات النووية الإمبراطور هيروهيتو ودعت القوة العسكرية اليابانية إلى الاستسلام.

وزار جون كيري، أخيرا، هيروشيما. وكان أول وزير خارجية يفعل ذلك تمهيدا لزيارة يخطط لها الرئيس الأميركي باراك أوباما العام المقبل، وقد أشيع أنه سينظر في تقديم اعتذار إلى اليابان لإسقاط بلاده القنابل عليها قبل 71 عاما.

ولا يمكن تفسير التفجيرات المروعة من دون النظر في السياق الذي حدثت فيه. ففي عام 1943 أصر كل من الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل على الاستسلام غير المشروط لمعتدي المحور.

وكان من المتصور أن القنبلة وسيلة لإجبار ألمانيا النازية، زعيمة الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية على وقف القتال. إلا أن الرايخ الثالث كان قد انهار في يوليو عام 1945 عندما كانت القنبلة جاهزة للاستعمال، تاركة الإمبراطورية اليابانية هدفا وحيدا للمحور.

وأظهرت اليابان من خلال دفاعها المستميت عن أوكيناوا حيث توفي 12 ألف أميركي وجرح أكثر من 50 ألفا إلى جانب نحو مئتي ألف إصابة عسكرية ومدنية في جانب اليابان أن الأمر جعل الأميركيين يدفعون ثمنا باهظا للنصر الذي قد يتفاوضون بموجبه على هدنة بدلا من طلب الاستسلام.

وهناك عشرات آلاف الأميركيين الذين قضوا نحبهم لدى محاولتهم الاستيلاء على جزر المحيط الهادئ باعتبارها طريقة يمكنهم من خلالها قصف اليابان. وفي التاسع والعاشر من مارس عام 1945 أسقطت قاذفات «بي-29» ما يقدر بنحو 1,665 طنا من قنابل النابالم على طوكيو، متسببة بوفيات كثيرة تضاهي ما حدث في هيروشيما.

وخلال الأشهر الثلاثة اللاحقة، وجهت الهجمات الأمريكية نحو مساحات واسعة من المدن اليابانية. وبموجب خطط الولايات المتحدة أسقط نحو 60 مليون منشور على المدن اليابانية، لتخبر المدنيين بضرورة الاخلاء وتدعو زعماءهم إلى وقف الحرب.

وكانت اليابان لا تزال ترفض الاستسلام وتصعد من المقاومة بآلاف من هجمات الكاميكازي الجوية الانتحارية. وخططت القوة الجوية الأميركية خلال الضربات الجوية إلى نقل الكثير من أسطول القاذفات البريطانية والأميركية وضمهما إلى قاذفات «بي-29» في المحيط الهادي.

وكان هناك نحو مليوني جندي ياباني يقاتلون عبر المحيط الهادئ والصين وبورما، ومئات الآلاف من السجناء والمدنيين من الحلفاء والآسيويين الموجودين في سجون اليابان كأسرى حرب ومعسكرات السخرة. وكان آلاف المدنيين يموتون كل يوم على يد البربرية اليابانية. وأوقفت القنابل الذرية تلك المذبحة كذلك.

الحرب العالمية الثانية اعتبرت من أكثر الأحداث دموية في تاريخ البشرية. وهناك نحو 60 مليون شخص لقوا مصرعهم خلال السنوات الست للغزو الألماني المفاجئ لبولندا في الأول من سبتمبر عام 1939، والاستسلام الياباني المفاجئ في الثاني من سبتمبر عام 1945.

ولم يضاهِ عدد قتلى الحرب العالمية الثانية أي كارثة طبيعية ولا وباء الإنفلونزا عام 1918 ولا حتى الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر الذي قتل نحو ثلثي الشعب الأوروبي.

وربما هناك نحو 80% من القتلى من المدنيين وجلهم من الروس والصينيين الذين توفوا على يد ألمانيا النازية والامبراطورية اليابانية. ولكن أعدم المعتدون من الألمان واليابانيين وجوعوا ملايين الأبرياء حتى الموت.

الحرب العالمية الثانية كانت أيضا واحدة من الحروب القليلة في التاريخ التي اعتبرت فيها اليابان وألمانيا من الخاسرين، وخسروا فيها عددا أقل من الأرواح مقارنة مع خسارة الدول الفائزة. ووصل عدد القتلى خمسة أضعاف عدد قتلى الحلفاء على الجانب الثاني، وكلاهما من المدنيين والعسكريين، فضلا عن آخرين من جانب الدول المشاركة في المحور.

ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية بدأتا الأحداث الأوروبية وتهديدات المحيط الهادي للحرب العالمية الثانية بهجمات مفاجئة على الدول المحايدة. وزادت الحرب البربرية غير العادلة أعداد القتلى حتى وصلوا إلى أكثر من 50 مليون جندي من التحالف فضلا عن المدنيين والمحايدين وهم يزيدون عن ضحايا هيروشيما بأكثر من 500 ضعف.

ويجب علينا في هذا الربيع تذكر هؤلاء الخمسين مليونا، والذين كانوا مسؤولين عن قتلهم.

Email