الأسرة والتحديات المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد تبعثر شمل ملايين الأسر بسبب ويلات الحرب العالمية الثانية.. وفي عام 1947 تم تأسيس الاتحاد الدولي للأسرة ليصبح أول منظمة دولية ناطقة باسم الأسرة ولتعمل جنباً إلى جنب مع حكومات الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة ذات العلاقة، وبتنسيق تام مع منظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا الأسرة والمرأة والطفل على مستوى العالم.. وقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة «الخامس عشر من مايو من كل عام«يوم الأسرة العالمي».

وتعمل المنظمة لتحقيق أهدافها الرامية للحفاظ على بينونة الأسرة ولتفعيل وظائفها في المجتمع، ولعل من أهمها: وقاية الأسرة من كافة المهددات التي حملتها رياح العولمة والتغيير الاجتماعي والثقافي، في عالم تحول إلى قرية.. وفي تقرير نشر أخيراً ما يشير إلى اتساع نطاق الأسر ضحايا اللجوء والتشرد والإقامة الدائمة في معسكرات اللاجئين، وها هي مآسي الأسر العربية وخاصةً «السورية والفلسطينية واليمنية والعراقية والليبية» تثير الشجون ألماً وحزناً..

من جهة أخرى تلقي العولمة في عصر الفضاء المفتوح بظلال كثيفة على واقع الأسرة، كما أن ضعف الوازع الديني دفع بجماعات أخذت تطالب علناً بنهاية عصر الأسرة وبتشريع المثلية الجنسية!، مما يعني أن عهود الأسرة التقليدية إلى زوال، وأن أشكالاً جديدة للأسرة أصبحت سمة من سمات عصر العولمة.

وإذا كان المجتمع الدولي مازال يدعم أطروحات منظمة الأسرة العالمية، اعترافاً بأهدافها وتقديراً وإدراكاً لدور الأسرة في المجتمع، فإن تحديات كبيرة لابد من مجابهتها للوقوف ضد دعاة تشرذم الأسرة ومحو دورها، وإبطال أهم وظيفة لها، وهي «الإنجاب» والإبقاء على الأجيال القادمة لضمان استمرار النوع البشري».

لقد كانت الأسرة ومازالت تتولى القيام بعدد لا محدود من الوظائف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وعلى مدى التاريخ كانت الأسرة الممتدة «الكبيرة» في مجتمعاتنا العربية.. تسهم بدور أساسي ومحوري في عملية التنشئة الاجتماعية، وهي من أهم وظائفها إذ إنه من خلالها يكتسب الطفل منذ البدايات الأولى لحياته أنماط السلوكيات السائدة، بما في ذلك مفردات اللغة والعادات والقيم والأعراف، وكل أشكال المسلمات ذات العلاقة بالموروث الثقافي الذي ينتقل من جيل إلى جيل، وهكذا تبقى الأسرة المتحف الحافظ لإرث المجتمع عبر الأجيال..

وواجبنا كأفراد ومجتمعات عربية إسلامية تعتز وتفاخر بين باقي الأمم بمورثها وتقاليدها الأصيلة.. أن نرفع صوتنا عالياً ضد أي مطالبات تدعو للقضاء على «البناء القيمي والأخلاقي للأسرة»، ومن هذا المنبر الحر الوطني ندعو كافة الجهات ذات العلاقة لاستثمار «يوم الأسرة العالمي» ويوم الأسرة العربية والمناسبات الأخرى من المناسبات الاجتماعية، لتنظيم مبادرات وأنشطة وبرامج للتعريف بأهمية دور الأسرة في تماسك الجماعة والمجتمع..

والأهم من ذلك التنسيق مع جهات أخرى ذات اختصاص وعلاقة بالشأن ذاته لدحض الافتراءات التي تروج لها مواقع معروفة، تعمل على مدار الساعة لبث سمومها بين «الشباب العربي» وتحريضهم للخروج على قيم الأسرة والمجتمع، بحجة أن التمرد على التقاليد أحد أهم متطلبات العصر، ومطلب أساسي من متطلبات الحياة العصرية والديمقراطية!، ولذلك كانت قيادتنا الرشيدة سباقة ومدركة تماماً للمجريات والمتغيرات التي تدور من حولنا ونحن ليس في معزل عنها.. والتي واجب علينا مجابهتا ودحرها.. بكافة الوسائل والطرق المثلى من أجل الحفاظ على كيان الأسرة الإماراتية.

شهد مجتمع الإمارات تحولات مجتمعية حادة وسريعة خلال العقود الأربعة الماضية، ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة.. وكانت لهذه التحولات أسبابها الداخلية والخارجية، كما كانت لها آثارها الواضحة على مختلف أبنية المجتمع، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وكانت «الأسرة» من أكثر المؤسسات التي تأثرت بهذه التحولات.. كما أن دستور دولة الإمارات نص في المادتين 15 و16، على أهمية الأسرة في المجتمع الذي عليه أن يرعاها ويحافظ على تماسكها.

 

Email