السياسة الأميركية واللغة الإنجليزية

ت + ت - الحجم الطبيعي

التقى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالرئيس الأميركي بارك أوباما في واشنطن، أخيراً، لمناقشة الاستراتيجيات المشتركة لوقف نوعية الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء في بروكسل وباريس وسان برناردينو خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي منعطف خلال اللقاء، أشار هولاند، بوضوح، إلى أعمال العنف باعتبارها »إرهاب المتشددين«.

وحذف البيت الأبيض في البداية تلك العبارة من الترجمة الصوتية للفيديو الرسمي الذي يجمع الرئيسين معا، ولم يعده إلا عندما سئل في هذا الصدد. هل تفترض إدارة أوباما أنه في حال لم يستطع الرأي العام الاستماع إلى ترجمة ما قاله الرئيس الفرنسي، فلربما سيعتقدون أنه لم يقلها وبالتالي قد يقتنعون بأن هذا الإرهاب غير موجود؟

يجب أن تدرك إدارة أوباما أنه في ثلاثينيات القرن العشرين حذف الاتحاد السوفيتي كل الصور والتسجيلات والأفلام الخاصة بليون تروتسكي بموجب أوامر من جوزيف ستالين. وكان ينظر إلى تروتسكي باعتباره شخصا غير ملائم سياسيا وبالتالي اختفت أفكاره وصوره ببساطة.

مكتبة الكونغرس وبموجب ضغط من طلاب كلية دارتموث لم تحظر مصطلح »أجنبي غير شرعي« من عناوين الموضوعات الأدبية التي تدور حول الهجرة فقط، وإنما حظرت كلمة »أجنبي« أيضا. هل يعني تغيير مفردات اللغة أنه من الآن فصاعداً فإن الأجانب الذين يختارون دخول الولايات المتحدة والإقامة فيها من دون أن يكتسبوا جنسيتها لن ينتهكوا القانون ولن يعتبروا مواطنين لدولهم كذلك؟

هل قرأ العاملون في مكتبة الكونغرس عمل المؤرخ اليوناني توسيديدس، الذي حذر قبل 2500 عام مضت أنه في زمن الاضطراب الاجتماعي فإن الحزبيين قد يجعلون الكلمات »تغير معناها العادي وتكتسب ذلك المعنى الذي أسند إليها الآن«.

آخر هذه التشويهات اللغوية لخدمة الأجندات الأيديولوجية تتبع نمطاً مستقراً تعمل به إدارة أوباما والدوائر التابعة لها. ووصف مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر جماعة الإخوان المسلمين المتشددين في مصر بأنهم »علمانيون إلى حد كبير«. وقال مدير الاستخبارات المركزية جون برينان عن التشدد انه مجرد جهد »لتطهير النفس«.

وقام رؤساء دوائر أخرى بتلميع التشدد بالإشارة إليه بعبارات مثل »كارثة سببها الإنسان«. وأطلقوا على جهود مقاومة الإرهاب »عمليات الطوارئ الخارجية«، مثل الإغاثة من الزلزال في هايتي.

صاغة الكلمات في البيت الأبيض ينبغي أن يعيدوا قراءة مقالة جورج أورويل المنشورة عام 1946 بعنوان »السياسة واللغة الإنجليزية« التي حذرت من أن »الكتابة السياسية كتابة سيئة« و»يجب أن تتألف بشكل كبير من تلطيف التعبير«.

وقال أوباما إن التهديد الأكبر لمستقبل الأجيال المقبلة هو »التغير المناخي«، وهو المصطلح المنبثق عن »الاحتباس الحراري«. ويستخدم هذا المصطلح الذي عفا عليه الزمن الآن لوصف كوكب يفترض أنه يتعرض للتسخن بسرعة بالغة. ولكنه لم يبرر الحقيقية غير السارة القائلة إنه كان هناك تغير عالمي في درجة الحرارة منذ عام 1998.

وبدلاً من تعديل المصطلح إلى »الاحتباس الحراري« المشكوك فيه، أو »الاحتباس الحراري المرحلي« فإن المصطلح الجديد »التغير المناخي« وضع ليحل محله. وبتلك الطريقة، أمكن ظهور حقائق جديدة. التغيرات من كل الأنواع مثل أحداث سقوط الثلوج التاريخية..

والأوقات الباردة جدا، والجفاف في كاليفورنيا، وعواصف »النينو«، كلها أحداث يمكن إدراجها معا باعتبارها تتسبب فيها الانبعاثات الكربونية التي أحدثها الإنسان.

والطقس المتقلب مثل الأعاصير والتسونامي والزوابع أعيد تسميتها في بعض الأحيان بـ»الفوضى المناخية« كما لو أن الصناعة الغربية وأنماط الحياة الاستهلاكية كانت مسؤولة عما جرى النظر إليه على أنه أحداث طبيعية إلى حد كبير. واصطلاح »مدن الملاذ« البلديات التي تنكر بطريقة كونفدرالية مبتكرة أولوية قانون الهجرة الاتحادي وترفض فرضه.

واستخدمت المدعي العامة لوريتا لينش مصطلح »الشباب المنخرطون في العدالة« لوصف جرائم المجرمين الشبان الذين ألقي القبض عليهم ووجهت إليهم تهم ارتكاب جرائم. ومن مثل هذه المصطلحات يمكن للمرء أن يعتقد أن »انخراط« »الجناة« كان يعني أنهم كانوا محامين شباناً أو ضباطاً للعفو المبكر.

إذن ما جدوى محاولة تغيير الواقع بصياغة أسماء وعبارات جديدة؟ الأمر في الغالب سياسة. وإذا كان هولاند قد استخدم اصطلاح »ذوو الرؤوس الحليقة« لوصف أنصار الحركات اليمينية الأوروبية..

فإن البيت الأبيض ربما ما كان ليغير الفيديو. وإذا كان نصف مليون كوبي يميني يتدفقون على فلوريدا كل عام، أو إذا كان مئة ألف صربي يعبرون الحدود من كندا، فإن مكتبة الكونغرس كان يمكن ألا تعترض على وصفهم باسم »أجانب غير شرعيين«. ومن غير المحتمل أن يزعم كلابر وبرينان أن الحملات الصليبية كانت علمانية إلى حد كبير أو تدريبا لتنقية النفس.

وما كانت إدارة أوباما لتصف ضباط الشرطة المارقين المتهمين بالجرائم بأنهم »الشرطة المنخرطة في العدالة«. وإذا رفضت المدن التي يوجد بها رؤساء بلديات محافظون فرض قانون الحيوانات المهددة بالانقراض أو القانون الخاص بوضعية الأسلحة النارية لما عرفت بأنها »مدن ملاذ«، وإنما »مدن الجماعات المتعددة«.

وكتب أورويل أيضا عن واقع المستقبل المرير الذي تحكمه حكومة الأخ الكبير التي أوجدت النزعات التلطيفية لإعادة ابتكار الواقع. وقد جعل أحداث روايته تدور في عام 1984 وحذر الغربيين مما يخبئ لهم المستقبل. لقد تجاوزنا الآن عام 1984 بـ 32 عاما، ولكننا نعيش الآن في الكابوس الأورويلي.

 

Email