الرأي العام وأزمة الجزيرتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتمثل حصاد التغيير الذي حدث في مصر في أعقاب موجتي 25 يناير عام 2011 و30 يونيو عام 2013 في دخول المواطن المصري إلى الشأن العام، باعتباره فاعلاً ويحظى بالقابلية للمشاركة ويؤمن بحقه في المعلومات..

وبأن رأيه مهم في اتخاذ القرارات، كسر المواطن حاجز الصمت والخوف واستشعر في نفسه قوة كامنة تدفعه إلى الحضور والفاعلية، وتخطى حاجز السلبية واللامبالاة، وربما يكون هذا التغيير من أهم الإنجازات حتى الآن، هذا في حين أن الدولة لم تتغير بالقدر الكافي الذي يتلاءم مع التغير في الطرف المقابل أي المواطنين.

الأزمة التي نجمت عن الاتفاقية المصرية السعودية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية والتي كان جزء منها يتعلق بجزيرتي صنافير وتيران السعوديتين مثال على ذلك..

ويكفي أن نسأل أنفسنا بأمانة وأن نجيب أيضاً بأمانة كمواطنين ومسؤولين، أفراداً وجماعات على هذا السؤال هل يجادل أحد منا في أن المصريين لا يطمعون في أرض، يثبت تاريخياً وقانونياً وجغرافياً أنها ليست لهم، والإجابة عن هذا السؤال هي »لا« بكل تأكيد، لأن الله قد حبا مصر جغرافياً متنوعة وموقعاً فريداً وعبقرياً يجعلها في غنى عن التطلع إلى أراضي الغير.

وبناء على ذلك فإن التكتم على موضوع الجزيرتين تيران وصنافير، وأنهما سعوديتان، طيلة هذه العقود وحجب المعلومات المتعلقة بهما عن الرأي العام، بل وتكتم أخبار الاجتماعات والمباحثات بين اللجان المشكلة من الجانبين السعودي والمصري طيلة السنوات الماضية ومفاجأة الرأي العام بها مرة واحدة ودفعة واحدة، هو الذي صنع الأزمة، كان ينبغي الإفراج عن هذه المعلومات وإطلاع الرأي العام على مضمون الاجتماعات وتقارير اللجان الفنية أولاً بأول حتى يمكن تفادي ما حدث في الشارع المصري بعد إعادة الجزيرتين لأصحابهما السعوديين.

تمهيد الرأي العام عبر إطلاعه أولاً بأول على الحقائق والمعلومات وتقديم الشرح والتفسير يمثل إحدى مراحل عملية اتخاذ القرار الناجح وتوفير أسس القبول به والاقتناع بصحته وتحقيق التراضي العام، وذلك يفترض قدرة المواطنين على الاستيعاب والفهم والتمييز والتقييم والاقتناع بأهليتهم للقبول والمشاركة.

إن تبني هذا المنهج في اتخاذ القرار كفيل بتجنب حدوث الأزمات وإرساء نمط جديد لعلاقة المواطن بالدولة يقوم على التفاعل والمشاركة والاحترام والتسليم بأهلية المواطن المصري للتقييم والتمييز.

في عام 1995 اكتشف المصريون حقيقة المذبحة التي وقعت للأسرى المصريين في سيناء أثناء عام 1967 وكيف تم قتلهم وهم عزل من السلاح، بعد أن تم أسرهم، وللأسف إن هذا الاكتشاف المروع لما حدث لأبناء المصريين وفلذات أكبادهم لم يأت عبر اعتراف الدولة بذلك أو إطلاع المواطنين على حقيقة ما جرى في هذه الأيام العصيبة..

وإنما جاء إثر »الإفاقة« المتأخرة التي انتابت بعض العسكريين الإسرائيليين الذين شاركوا في هذه المذبحة وجعلتهم يعترفون بما اقترفت أيديهم من جرائم بحق هؤلاء الأسرى.

فيما يتعلق بقضيتي صنافير وتيران يبدو أن تصور المواطنين الخاطئ حول مصرية هاتين الجزيرتين يفوق الحقيقة ذاتها، ذلك أن هذا التصور قد ترسخ وبني على مواقف ومعطيات وانحيازات تشكلت عبر فترة طويلة من الزمن..

وهو الأمر الذي يترتب عليه صعوبة معالجتها بأسلوب المفاجأة والصدمة، بل كان ينبغي التدرج في طرح القضية وطبيعة أبعادها واستجلاء الحقيقة بتأنٍ، ومن خلال هيئة وطنية حكومية وعلمية تشمل كافة الخبرات الوطنية والجغرافية والقانونية والتاريخية الضرورية.

الدولة واجهت ولا تزال تواجه العديد من التحديات حتى الآن بنجاح في مقدمة هذه التحديات مواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن للمواطنين، وهو ما حققت فيه نجاحاً كبيراً، كما أنها استكملت بناء المؤسسات التي تمارس صلاحياتها على ضوء المبادئ المعروفة..

وكذلك استعادت الدولة مكانة مصر المفقودة إقليمياً ودولياً وهي نجاحات ينبغي أن تعززها الدولة من خلال إعادة بناء الثقة بينها وبين مواطنيها وإطلاع الرأي العام على حقيقة الأوضاع والمشكلات وهو اختبار ربما يكون أقل حدة من التحديات التي واجهتها الدولة المصرية حتى الآن.

Email