مكاشفات أوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

في موضوع الغلاف في أحدث عدد لمجلة «أتلانتك» الأميركية، طرح الرئيس الأميركي باراك أوباما كبش فداء مذهل للكوارث السياسية المتعلقة بسياسته الخارجية.

وبحسب أوباما، فإن تدهور وضعية أرض «داعش»، لم يكن بسبب القصف المسرف من جانب الإدارة الأميركية الذي أعقبه رحيل متسرع، ولكن بسبب أخطاء الآخرين.

واشتكى الرئيس الأميركي من أن الحلفاء الأوروبيين لم يقوموا بأي عملية لاحقة، على الرغم من قربهم من ليبيا، ويصف أوباما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالشخص الذي يحاول أن ينسب الفضل إلى نفسه في الحملة الليبية بعد كل ما فعلته الولايات المتحدة.

أوباما لم يتوقف عند هذا الحد، وقال مساعدو الإدارة الأميركية لمجلة «أتلانتك» إن تعليق أوباما الساخر بشأن أن تنظيم «داعش» منظمة صغيرة كان خطأ من البنتاغون حقاً، ويفترض أن الجنرال لويد أوستن، الذي كان يقود في ذلك الوقت القيادة المركزية الأميركية، قد ضلل أوباما من خلال وصف التنظيم بأنه «ظاهرة عارضة».

وألقى أوباما باللوم فيما يتعلق بانتشار تنظيم «داعش» على مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر (الذي قال أوباما في برنامج 60«دقيقة» عنه «إنه أقر بأنهم قللوا من شأن ما حصل في سوريا»، وانتقد أوباما أيضاً رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لعدم تحقيق مشاركة البرلمان بشأن قرار حاسم في سوريا.

هذا التلاعب باللوم قديم ومرهق، وأن وضع أوباما «خطاً أحمر» مع الرئيس السوري بشار الأسد بشأن استخدام الأسلحة الكيمياوية، أمر غير منطقي، ولقد تجاهل الأسد التحذير وأفلت من العقاب، وأنكر أوباما إقدامه على وضع خط أحمر في المقام الأول، وبدلاً من ذلك، ادعى أن الأمم المتحدة والكونغرس وضعاه، وألقى أوباما باللوم على الكونغرس وهيلاري كلينتون فيما يتعلق بالفوضى لضغطهما لتدريب المعارضين السوريين.

ومنذ وقت ليس ببعيد، تباهت إدارة أوباما بمبادلتها إرهابيين من طالبان سجنوا في خليج غوانتنامو مقابل الجندي الأميركي الهارب بوي بيرغدال، ولكن عندما غضب الرأي العام، بدأ مسؤولو الإدارة بإلقاء اللوم على وزير الدفاع آنذاك تشاك هاغل بشأن الصفقة.

وعندما لم يكن أوباما منشغلاً بإلقاء اللوم على الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لأسباب عدة، نسب مع معاونيه الاقتصاد الضعيف إلى «القطط السمان من المصرفيين» و«نسبة الواحد في المئة» و«أصحاب الطائرات من العاملين في الشركات».

وبالنسبة إلى أوباما، فإن الانقسام الوطني الجديد لا يتعلق بخطابه الماضي المتمثل في «اظهر أمامهم» و «عاقب أعداءنا»، وإنما يرجع إلى مزيج من الحزبيين الجمهوريين، والغش الانتخابي والإعلام ولجان العمل السياسي الفائقة.

مكائن الصرف الآلي والتسونامي وارتفاع أسعار النفط والانهيار المالي الأوروبي جميعها تآمرت لعرقلة النمو الاقتصادي في أميركا، ومستشار أوباما الاقتصادي السابق أوستان جولسبي وضع عام 2011 عوائق مختلفة لسياسات أوباما الاقتصادية، وهي: «الهزات الأرضية والتسونامي والثورات في الشرق الأوسط والأزمات المالية الأوروبية، والآن توجد لدينا هزات أرضية خارج واشنطن العاصمة».

وعندما شغل أوباما منصبه بأغلبية ديمقراطية في مجلسي النواب والشيوخ ألقى باللوم على الجميع تقريباً باستثناء نفسه لعدم تمرير مبادراته. ومنذ عام 2009 حتى عام 2011 ألقى باللوم دائماً على الجمهوريين، رونالد ريغان، وول ستريت وجورج بوش وفوكس نيوز والكونغرس للعجوزات الهائلة التي تسبب فيها إلى حد كبير ولعدم قدرته على تمرير إصلاح الهجرة ونظام الغطاء والتجارة.

وأدعى أوباما أن كارثة سوليندرا كانت بسبب الصينيين بالإضافة إلى الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس، والجناة بقضية تسريب نفط شركة بريتش بتروليوم كانوا منظمين حكوميين فاسدين من الحرس القديم، وليسوا من الوكالة الفدرالية التي ألقيت على عاتقها مسألة الإشراف على التنقيب البحري.

بل إن أوباما ألقى باللوم على الأميركيين فيما يتعلق بمشكلاتهم الاقتصادية، حيث قال في مقابلة تعود إلى عام 2011: «الطريقة التي أفكر فيها هي أن هذه دولة عظيمة أصبحت ضعيفة بعض الشيء، ولم تعد لدينا الميزة التنافسية ذاتها التي احتجنا إليها على امتداد العقدين الماضيين».

الجانب الآخر هو أن أوباما نادراً ما يشارك في نسبة الفضل عن التطورات الإيجابية غير المتوقعة التي لم يكن له أي إسهام فيها، أو كان له إسهام محدود، فإدارته بذلت قصارى جهدها لوقف عمليات تأجير الغاز والنفط الجديدة على الأراضي الفيدرالية، ولكن عندما مضت قدماً ثورة الصخر النفطي نحو جعل أميركا مستقلة تقريباً من ناحية الطاقة وجعلت أسعار الغاز تهبط، نسب أوباما الفضل لنفسه في ذلك.

وعندما رشح أوباما نفسه للرئاسة، ألقى باللوم بشكل دائم على إدارة بوش فيما يتعلق بحرب العراق. وعقب زيادة الجنود الأميركيين في العراق التي عارضها، دخل أوباما المكتب الرئاسي ليواجه عراقاً هادئاً، وعلى الفور نسب إلى نفسه الفضل في هدوء ما بعد زيادة القوات في العراق.

ووصف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن العراق الدستوري بأنه «أحد أهم منجزات الإدارة الأميركية العظيمة»، وأضاف أوباما نفسه قائلاً إن العراق كان«ذا سيادة ومستقراً ومعتمداً على نفسه»، ولكن عندما سحب أوباما كل قوات حفظ السلام الأميركية من العراق قبل إعادة انتخابه عام 2012، وانفجرت البلاد،عاد ليلقي باللوم بشأن العنف في العراق على جورج بوش.

يعد تحمل مسؤولية الأخطاء علامة مؤكدة على الشخصية، وإلقاء اللوم على الآخرين ليس علامة على ذلك. وعقب نحو ثماني سنوات من تمرير الدولارات، بدأ أوباما يشبه ذاته البديلة الجمهورية، دونالد ترامب، الذي يعتبر أن فشل مشاريعه في مجال الأعمال وخطابه المحرج هو خطأ شخص أو شيء آخر دائماً.

 

Email