الحفاظ على « ناتو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، أخيراً، جدلاً جديداً عندما تساءل عما إذا كانت اتفاقية منظمة شمال الأطلسي »ناتو« قد عفا عليها الزمن.

ولمح بأنها لم تعد تستحق، بعد الآن، الاستثمار الأميركي الكبير فيها.

لقد ضرب أسلوب ترامب التقليدي على وتر حساس، لكنه قدم تفاصيل قليلة عن عواقب البقاء في حلف »ناتو«، أو مغادرته. وبالتأكيد فإن الحلف لم يعد يسعى إلى مواجهة جيش بري سوفييتي ضخم خارج أوروبا الغربية الديمقراطية، على غرار ما كانت عليه الأمور عام 1949.

لقد وسع الحلف من حجمه الأساسي، على نحو يفتقر للحكمة، وذلك من عضوية 12 دولة، ليضم الآن نحو 28 دولة، مستوعبا الكثير من دول معاهدة وارسو القديمة، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. وربما سعى الاتحاد السوفييتي السابق إلى توفير الأمن للدول الأعضاء الجدد، الضعيفة، في التحالف. ومع ذلك فإنه من الصعب تخيل موت البلجيكيين أو الايطاليين في ساحة القتال من أجل منع قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من البقاء في لتوانيا أو استونيا.

ويمكن تصديق تعهدات حلف »ناتو« الحالية، الموجهة للعديد من أعضائه الجدد، بالقدر الذي تم فيه تصديق الضمانات الخطابية البريطانية والفرنسية التي قدمت في أغسطس من عام 1939 لحماية بولندا من الدول النازية والسوفييتية المجاورة لها.

ولم ينتهك أي عضو في »ناتو« خلال الحرب الباردة، التي استمرت أربعين عاما، البند الرابع من المعاهدة، الذي ينص على التشاور مع أعضاء التحالف جميعا، بشأن أي تهديد من خارج الدول الأعضاء المحتملة، وهو أمر سبق وأن قامت به تركيا، حوالي أربع مرات، منذ عام 2003.

والفكرة أن أوروبا الغربية التي يكتنفها الإرهاب المتطرف، والهجرات التي لا رادع لها، والقادمة من الشرق الأوسط الذي مزقته الحرب، ستحصر دعمها العسكري بجدول أعمال ونزاعات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظامه، هي ضرب من الخيال. ويلبي عدد قليل من أعضاء »ناتو« هدف الحلف المتمثل في السعي لاستثمار 2% من الناتج المحلي الاجمالي في سياسة الإنفاق الدفاعي. وعوضا عن ذلك تتوقع أوروبا الاشتراكية أن تتحمل أميركا معظم الأعباء العسكرية والمالية لحلف »ناتو«.

ينظر إلى أوروبا، بشكل متزايد، على أنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، وأنها غير قادرة على وقف الهجرات من الشرق الأوسط الذي مزقته الحروب. وينظر اليها أيضا باعتبارها هدفا كبيرا للأنظمة غير المستقرة وتحديدا (التي تحوز أسلحة نووية). ويعمد الأوروبيون لزيادة الوضع سوءاً، عندما يعتمدون على دعم أميركا لمساعدتهم في تقليص نفقات الدفاع لتمويل الاستحقاقات الاشتراكية، مع أنهم يصورون أميركا باعتبارها دولة بقوة عسكرية هائلة.

لم يكن استخدام قوات »ناتو« خارج أوروبا أمراً مفيداً دائماً، فقد ساعد ذلك في صربيا وأفغانستان، على الرغم من الشكوك، وبشكل كارثي، إلى حد كبير، في ليبيا.

هل يمكن اعتبار المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب بأنه على حق، بحيث يتعين علينا أن نهمل حلف »ناتو« ؟ هل من بديل مستقبلي بمعزل عن »ناتو« الذي أصبح خياراً مكلفاً زاخراً بالشوائب؟

قال اللورد إيسمي، أول أمين عام لحلف »ناتو« إن الحلف تأسس »للإبقاء على الروس خارجه، والأميركيين داخله، ولكبح جماح الألمان«. المسألة ليست ما إذا كان حلف »ناتو« مفيدا ولكن ما إذا كان يمكن للحلف أن يعيد تشكيل نفسه قبل أن ينهار.

انهار الاتحاد السوفييتي، وألمانيا الآن في الاتحاد الأوروبي، ويمتلك الاتحاد الأوروبي اقتصاداً وعدد سكان أكبر بالمقارنة بأميركا. إلا أن روسيا بوتين اليوم لاتزال نووية وعدوانية. وتتوسع في أي مكان تشعر فيه بالضعف.

ولايزال الشك يراود ألمانيا سواء بسبب سياسات المستشارة أنغيلا ميركل التدميرية أو الممارسة غير الحكيمة للبنوك الألمانية الكبيرة التي تقرض دول البحر الأبيض المتوسط المفلسة، بتهور. لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من توحيد دوله الأعضاء اليائسة لشيء متماسك ومشابه لولايات أميركا المختلفة.

وباختصار يجب مراقبة روسيا القوية دائما. فألمانيا الحيوية والعنيدة يجب أن تدخل دائما في نوع من التحالف العسكري. وستظل الولايات المتحدة مهتمة دوماً بمصلحتها الذاتية في منع الأوروبيين من قتل بعضهم بعضا.

إن الدول الغربية عرضة للاعتداءات، بشكل متزايد، وهي محط أهداف الإرهابيين المتطرفين، كما أنها تخسر قوتها الرادعة، لكل من روسيا والصين، وتنظر إليها الأنظمة المارقة كدول يعتريها الضعف. إن المسألة لا تتعلق فيما إذا كان حلف »ناتو« لايزال مفيداً، ولكن عما إذا كان بإمكان الحلف إعادة تشكيل نفسه قبل الانهيار.

ويجب على »ناتو« التوقف عن التوسع. ويجب أن يقلق »ناتو« من استخدام قواته خارج أوروبا، وبدلاً من ذلك، أن يسند مثل عمليات حفظ السلام تلك للدول الأعضاء، على حدة، لتتصرف من تلقاء نفسها.

 

Email