طبيعة الخطاب الإرهابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

التعرف علي طبيعة الخطاب الإرهابي، خاصة عند جماعة الإخوان المسلمين، ومعالمه الأساسية قد تساعدنا في صياغة الخطاب السياسي والثقافي والفكري المناهض للإرهاب والتطرف.

وبداية فإن الخطاب الإرهابي باعتباره خطاباً فرعياً يستمد مفاهيمه وملامحه من الخطاب القطبي، أي تلك المفاهيم والأطروحات التنظيرية التي قدمها سيد قطب، الذي يعتبر صاحب أكبر الاجتهادات النظرية في تاريخ الإخوان المسلمين.

شكلت مفاهيم سيد قطب النواة الأساسية لفكر وأيديولوجية الجماعات المتطرفة والإرهابية في مصر، بدءاً من جماعة التكفير والهجرة، وجماعة الفنية العسكرية وغيرهما من الجماعات التكفيرية..

فالدولة التي تطبق قوانين وقواعد وأحكام من صنع البشر هي عند الفكر القطبي دولة كافرة وجاهلية، وكذلك المجتمع الذي تحكمه فهو يمثل الجاهلية المعاصرة، التي تعادل الجاهلية الأولى وحق الجهاد ضدهما بهدف الاستيلاء على السلطة.

ويمكن في هذا السياق ملاحظة أن عديدين ممن صاغوا الخطاب الإرهابي والتكفيري كانوا أعضاء ومنتمين للإخوان، ورافق بعضهم الإخوان في السجون والمعتقلات، ورفضوا بعض الدعاوى الإصلاحية للإخوان وانشقوا عنهم، وشكلوا التنظيمات المتطرفة والإرهابية.

يتميز الخطاب الإرهابي بمفاهيم محددة تمثل البنية الفكرية والعقائدية والأيديولوجية التي تنطلق منها الخصائص الآتية:

فهذا الخطاب وبما أنه ينسب نفسه للدين، يزعم أصحابه أنه خطاب مقدس ويستمد مفاهيمه من التأويلات والتفسيرات التي لا تمثل المتفق عليه في الفقه والتفسير، بل ربما يستند لأضعف المصادر والمراجع، ومع ذلك فهو يزعم لنفسه دون غيره المرجعية، التي تميزه عن غيره. وفضلاً عن المرجعية التي يخص بها الخطاب الإرهابي نفسه فهو كذلك مطلق..

ويعتقدون في صلاحيته لكل زمان ومكان ويتجاوز الظروف والأحداث. ويمثل هذا المفهوم في الخطاب الإرهابي حجر الزاوية في التكتيك والاستراتيجية، التي تهدف إلى إقامة دولة الجماعة والمرشد. وهذا المفهوم يمكن اعتباره «المدينة الفاضلة» في خطاب الإرهابيين.

الخطاب الإرهابي يمجد العنف باعتباره الوسيلة الوحيدة لإقامة الدولة، فالعنف في هذا الخطاب هو عنف مؤسسي وتأسيسي، لكل ممارسات الإرهابيين والمتطرفين ما دام الهدف هو الاستيلاء على الحكم، فالغاية تبرر الوسيلة، والإصلاح والدعوة لا يكفيان لتحقيق هذا الهدف.

يستهدف العنف في هذا الخطاب تخريب مؤسسات الدولة الوطنية وإرهاب المواطنين والمسلمين الذين لا ينتمون لهذه الجماعات وتحقيق هدف الإخضاع والردع والتجنيد للأعضاء والمناصرين.

يتمحور الخطاب الإرهابي للجماعات المتطرفة حول ضرورة استعادة الماضي، باعتباره النموذج والقدوة والمدينة الفاضلة في الخطاب الإرهابي والدعاوى الإرهابية، ويسقط هذا الخطاب من اعتباره ازدهار العلوم والحضارة الإسلامية وانفتاح العقل الإسلامي على الحضارات الأخرى.

ومن ثم فإن حاضر ومستقبل المجتمعات الإسلامية والعربية يسقط من هذا الخطاب، وكأن المسلمين يعيشون بمفردهم في هذا العالم، وكأن واقعهم لم يتطور كما بقية شعوب المعمورة، بل وكأن واقع المسلمين الآن يشبه ذلك الواقع العربي الذي عاش فيه المسلمون الأوائل. هذه النظرة تمتاز بالانتقائية واللاتاريخية فهي تتجاهل وتسقط عمداً الوقائع المتعلقة بالتاريخ،..

وفي مواجهة هذا الخطاب الأحادي والمغلق ينبغي صياغة خطاب مدني حديث يحفظ للدين قداسته بعيدا عن عالم السياسة باعتبارها شأناً وضعياً نسبياً واجتماعياً، ويؤكد على التنوع باعتباره مصدراً للثراء والغنى وليس تهديدا وباعتباره سنة كونية علي مدار التاريخ انطبقت علي المجتمع الإسلامي والدعوة الإسلامية ذاتها..

حيث تمكنت الدعوة الإسلامية من التعايش مع ثقافات وديانات مختلفة وتأقلمت معها واحترمت الوضعيات الثقافية القائمة آنذاك. خطاب الدولة التي تؤكد مبدأ المواطنة بصرف النظر عن الانتماءات الدينية والمذهبية هو الخطاب الذي بمقدوره كشف تناقضات وعدمية ووحشية الخطاب الإرهابي وعدائه للإنسانية والعمران البشري.

الخطاب الديني الوسطي المعتدل والبعيد عن التكفير للآخرين سيكشف تناقضات الخطاب الإرهابي ويفكك مقولاته ويفضح خطورته على الأمة وتماسكها وعلى البشرية والمشترك الإنساني بين كل الثقافات والأديان.

 

Email