الإمارات في اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتفل العالم بيوم 21 مارس من كل سنة باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، حيث ترجع جذور هذه المناسبة إلى قيام الشرطة في دولة جنوب أفريقيا بتاريخ 21 مارس 1960، بإطلاق الرصاص على المشاركين بمسيرة احتجاج سلمية في شاربفيل، ضد «قوانين المرور» المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري، ما أدى إلى مقتل 69 شخصاً.

وفي سنة 1966 خلدت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة هذا المناسبة بمقتضى القرار رقم 2142 الصادر في تاريخ 26 أكتوبر 1966 عن دورتها الواحد والعشرين، وذلك باعتبارها يوم 21 مارس من كل عام يوماً دولياً للقضاء على التمييز العنصري في العالم.

لقد تأملت كثيراً في هذا اليوم ومناسبته، متسائلاً كيف يمكن لإنسان أن يكون عنصرياً ورافضاً ومضطهداً لغيره من بني البشر، فنحن جميعاً، بغض النظر عن اللون والعرق والدين والمعتقد والأصل الاجتماعي والثروة وسواء كنا ذكوراً أو إناثاً، بشر، كما نستحق جميعاً أن نحيا بكرامة وأمن وآمان، ولنا جميعاً مكاناً على هذه الأرض، التي تنوع مناخها واختلفت تضاريسها وثرواتها لتفي باحتياجاتنا ولتحقق لنا السعادة وليس الشقاء.

كما تساءلت عن ذاك الذي يقبل على ذاته أن يقتل ويسعى لإبادة غيره أو استعباده واضطهاده ويرفض وجوده وبقائه، هل فعلاً هو إنسان، وهل يمتلك ذات المشاعر والأحاسيس التي نمتلكها ؟

لقد دفعتني هذه المناسبة لأن أجول بخاطري في هذا الكون لأرى أين نحن في دولة الإمارات من هذا اليوم العالمي؟، وبماذا يمكن لي أن أجيب حال سؤالي في أي محفل أو نشاط أو لقاء دولي عما عملته دولة الإمارات للقضاء على التمييز العنصري والكراهية؟.

ليس تحيزاً ولا تعصباً لدولتي، التي أفخر واعتز بالانتماء لها، وليس مجاملة أن أقول بأن الإمارات من الدول التي يسجل لها في هذا المجال الكثير، ولعل أهم ما قامت به في مجال القضاء على العنصرية ومكافحة الكراهية وغيرهما من دروب التمييز إصدارها لقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، الذي سأكتفي في هذا المقال بالتوقف أمامه وتوضيح أهميته وأثره في تعزيز وتجسيد اهتمام الدولة بالقضاء على العنصرية والتعصب والكراهية.

إن تشريع دولة الإمارات للقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، يمثل سابقة رائدة ومميزة في المنطقة العربية، والعديد من دول العالم التي خلت منظومتها التشريعية من تشريع خاص بالتمييز والعنصرية.

وتجريم ومساءلة من يرتكب هذه الجريمة أو يحرض عليها، بل يعتبر باعتقادي قيام الدولة بتجريم العنصرية والكراهية، تعزيزاً وتطبيقاً حرفياً ليس لفكرة المشروعية الجنائية وحسب، وإنما أيضاً لمدى احترام وتطبيق دولة الإمارات للاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

فقد تضمن القانون كافة الجوانب التي يجب أن يتناولها قانون وجد للقضاء على التمييز والكراهية، التي عرفها بمقتضى أحكامه بقوله ( كل تفرقة أو تقييد أو استثناء أو تفضيل بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني). كما عرف خطاب الكراهية بأنه: كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات.

وبالطبع لم يقف القانون عند حد تعريف التمييز وخطاب الكراهية، بل تجاوز ذلك من خلال النص على عقوبات مشددة ورادعة بحق كل من يقترف أعمال التمييز أو يمارس خطاب الكراهية، إذ حدد القانون عقوبة التمييز والتحريض على الكراهية بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

كما تشدد القانون في العقوبة لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تزيد على مليوني درهم، إذا وقعت الجرائم المنصوص عليها من موظف عام أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية عمله أو من شخص ذي صفة دينية أو مكلفٍ بها أو وقع الفعل في إحدى دور العبادة.

وأخذ القانون بعقوبة حل الجمعيات والمراكز والهيئات والمنظمات والتنظيمات والجماعات وفروعها أو غلقها مؤقتاً ومصادرة الأموال والأمتعة أو الأدوات أو الأوراق التي استعملت في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون.

وفي سبيل تشجيع الأفراد على التراجع عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها بمقتضى القانون أخذ القانون بمبدأ الإعفاء من العقوبة لكل من بادر من الجناة في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون، بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية عن الجريمة قبل الكشف عنها، فإذا حصل الإبلاغ بعد الكشف عن الجريمة، جاز للمحكمة إعفاؤه من العقوبة متى أدى البلاغ إلى ضبط باقي الجناة.

ومن حيث المبدأ نرى في جمعية الإمارات لحقوق الإنسان بأن القانون قد استجاب وتوائم في نصوصه مع المبادئ والمعايير الدولية وتحديداً:

1- تبني ذات التعريف تقريباً التي تبنته الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

2- اعتبار كل نشر للأفكار التي تنتقص أو تعبر عن ازدراء الأديان والتمييز والتحريض على الكراهية جريمة، يعاقب فاعلها بعقوبة رادعة.

3 - تبنى القانون فلسفة حل الشخص المعنوي وإنهاء وجوده القانوني كعقوبة في حال ارتكب أو شارك في ارتكاب جريمة التمييز والتحريض على الكراهية، كما نص على إعلان عدم شرعية وحظر المنظمات والجمعيات التي تمارس النشاطات الدعائية المتعلقة بالتمييز والكراهية، واعتبر الاشتراك في أي منها جريمة يعاقب عليها القانون.

4-تجريم قيام السلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه، والتشدد بالعقوبة على الموظف العام.

5- تبنى عدم جواز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير لإتيان أي قول أو عمل من شأنه التحريض على ازدراء الأديان أو التمييز والتحريض على الكراهية.

وفي العموم يعتبر القانون خطوة مهمة على صعيد تعزيز منظومة القيم التي تبنتها الدولة لضمان احترام الجميع مواطنين ومقيمين لكرامة بعضهم البعض ولمنع أي عمل أو تصرف قد يؤدي إلى التمييز أو الاضطهاد أو الكراهية.

Email