سلوكات المرشحين الأميركيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أي مرشح للرئاسة كان الأكثر فقراً في طفولته، وأي أصول ميلاد المرشحين كانت الأكثر تداعياً؟

تزيد ثروة كل من هيلاري وبيل كلينتون على مئة مليون دولار، وذلك على نحو كبير، بسبب سنوات زيادة فعالية خدماتهم الحكومية، التي جعلتهم يحصلون على أرقام فلكية من رسوم الاستشارات في وول ستريت، ومن المستثمرين الأجانب والبنوك الكبيرة.

ومع ذلك فإن هيلاري كلينتون، وهي من الخريجات الأوائل من كلية وليسلي وييل للقانون، غالباً ما تتحدث بلسان الفقير والعامي الجنوبي أمام جمهور خاص، وادعت أن «كل أجدادها» كانوا من المهاجرين. هذا ليس صحيحاً. جد واحد فقط من أجدادها هاجر إلى الولايات المتحدة من بريطانيا، وترعرعت هيلاري كلينتون في الأحياء الراقية من شيكاغو، في بيت محافظ من الطبقة الراقية.

المرشح الرئاسي الجمهوري جون كاسيتش، محافظ أوهايو، والمصرفي السابق والمدير الإقليمي لليمان براذرز لا يمكنه إكمال خطابه من دون أن يأتي على أن والده كان ساعياً للبريد.

أما خريج رابطة ايفي ليج تيد كروز، الذي تعمل زوجته مديرة في غولدمان ساكس في تكساس، فإنه يذكر الجمهور أن والده كان مهاجراً كوبياً فقيراً، ويشير المحامي والسياسي ماركو روبيو بشكل مستمر إلى أبويه المهاجرين من كوبا، ووالدته كانت في ذلك الوقت خادمة في أحد الفنادق، ووالده كان لفترة طويلة نادلاً في حانة، وعادة ما يستدعي الجراح العالمي الشهير المتقاعد بن كارسون مرحلة طفولته الفقيرة.

ويشير بيرني ساندرز إلى نشأته في حي بروكلين داخل مدينة نيويورك، وربما كان الرئيس الأميركي بارك أوباما عام 2008 أفضل من عزف على الوتر الحكومي ذاته.

نشأ أوباما وترعرع في كنف جديه المنتمين إلى الطبقة المتوسطة العليا، وكانت جدته نائبة رئيس ناجحة في بنك هاواي، وأرسل إلى أكثر المدارس الإعدادية تميزاً في هاواي، وباعتباره مؤلفاً مبدعاً ومرشحاً سابقاً، غالباً ما يتحدث أوباما عن والده الكيني المهاجر، الذي تخلى عن عائلته وعاد إلى أفريقيا.

لا يهم كل مرشح رئاسي كم هو ناجح، كم هو غني، أو متعلم على مستوى جيد، إلا أنه يطرح بطريقة دقيقة جداً وأحياناً بطريقة مبالغ فيها النسخة الحديثة من ابراهام لنكولن، ومن الواضح أن أميركا الشعبوية دائماً ما تريد مرشحاً يحظى بشعبية، ويمكنه أن يظل على اتصال يومي بالناس ولا يميز بينهم.

إلا أن التنشئة من أصول متواضعة ليس لها فوائد تذكر، خصوصاً عندما يكون معظم مرشحي القرن الحادي والعشرين وزوجاتهم أكثر غنى وأكثر تحضراً من التسع وتسعين في المئة من الأميركيين في البلاد.

مرشح عام 2012 الجمهوري ميت رومني هو ابن رجل يعتبر من أصحاب المليارات، وهو أيضاً مليادير. وفي الحملة الانتخابية بدا رومني كأنه يعتذر على نجاحه وثرائه. ويؤكد للناخبين أنه من النمط الخجول من الرجال.

 وغالباً ما يرتدي من ملابس عملية، ومن ماركة «ليفايس» الفاخرة، إلا أنه يبدو أكثر ارتياحاً في الحذاء التقليدي. وعندما أجهز أوباما على رومني في الانتخابات الرئاسية، انخفض المستوى السياسي وريادة الأعمال لدى رومني إلى أقل من رأسمالي نخبوي.

وكل هذا ينقلنا إلى المرشح اللامع دونالد ترامب، الذي قلب فكرة الأصول المتواضعة رأساً على عقب، ولا يوجد مرشح رئاسي لهذا العام يطلق الأكاذيب كما ترامب، الذي يمكن أن يدعي أنه حسن نفسه بجهده، وأنه الرجل العصامي، الذي عمل والده خادماً في البار أو ساعياً للبريد.

وقد يكون ترامب ورث أكثر من 40 مليون دولار أميركي من والده، الذي عمل في قطاع العقارات، إلا أنه لم يقدم أي مبررات، وبدلاً من ذلك، يضخم ترامب من صافي ثروته، التي باتت تفوق عشرة مليارات دولار، إنه يتفاخر بشأن صنعه للمال وعن أصوله العقارية «الضخمة»، و«الرائعة» وشركاته العديدة، وبدلاً من أن يبتعد ترامب عن التفاخر بتنشئته الغنية فإنه يتباهى بذلك دوماً.

وتمثل شعار ترامب في تمجيد كل شيء بدءاً من ناطحات السحاب وملاعب الغولف إلى العلاقات والمشروب، وتشبه رسالته شيئاً مثل: «ولدت غنياً ومن ثم أصبحت أكثر غنى، وأريد الآن أن أجعلك غنياً مثلي».

إذاً كيف يجر ترامب قانونه الشعبوي من دون أن يبدو كونه طفلاً غنياً مدللاً، بالتأكيد ليس بالطريقة الارستقراطية التي يتبعها فرانكلين روزفلت أو جون كينيدي، وعوضاً عن ذلك، يتفاخر بأن المال هو المقياس الوحيد لنجاح الناس، ومن الواضح أنه يشمل الرؤساء، فهو يعتبر أن الرجال الأغنياء «فائزون» والباقون «خاسرون».

لهجة ترامب من بروكلين وليست من «الجادة الخامسة»، ومصطلحاته مأخوذة من الشارع. تصرفاته غير مألوفة. توجيهه لأصابع الاتهام في حملاته الصاخبة وهجماته تحول النقاش إلى شجار، وهو سريع الغضب بالتأكيد ليس رجل المليارات جون كيري، ويقول ترامب للناخبين إنه يعلم أن السياسيين ليسوا فاسدين كما رجال الأعمال في نيويورك، ويعلم كيف يفسدهم جميعاً.

ترامب ليس رجل بنك ولا فنياً أو مستثمراً في وول ستريت بل معماري يتحدث كثيراً كأي سائق أجرة أو محتال في الشارع.

ولأول مرة خلال الذاكرة الحديثة لا يحاول مرشح أن يقنعنا أنه تربى فقيراً، ولا هو ارستقراطي غني يشعر بأن عليه التزامات النبلاء.

أسلوب ترامب الفكاهي الخاص برجل غني بالتأكيد ليس بغيضاً ولا مخيفاً، ولكنه حتى الآن أسلوب في التبجح يعتبر نوعاً ما أفضل من متوسط الناس العاديين، مقارنة بحكايات الأصول المتواضعة، ومقارنة بجميع الناخبين الميسورين.

Email