تشارلز باري عاشق العمارة المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُذكر السير تشارلز باري (1795-1860) لإعادة بنائه مقر البرلمان البريطاني على الطراز القوطي وبسبب التصاميم الإيطالية، مثل نادي الرحالة الشهير في مركز بول مول التجاري في لندن. وقد ولد بيري في بريدج ستريت في لندن، وهو الابن التاسع لبائع قرطاسية ناجح زود مكاتب الحكومة بالقرطاسية.

توفيت والدة باري عندما كان في الثالثة من عمره، وتوفي والده عندما كان في العاشرة، وربته زوجة والده. وفي سن الخامسة عشرة عمل في شركة للمهندسين المعماريين، حيث قدم تصاميم معمارية فريدة للأكاديمية الملكية وعرض ثلاثة منها في الفترة من 1812 إلى 1815.

وفي عام 1816 عندما كان في الحادية والعشرين، استخدم باري جزءاً صغيراً من ميراثه الصغير من والده لترتيب جولة تعليمية كبرى تستعرض الفن المعماري للقارة. وقبل أن يغادر بريطانيا في يوليو عام 1817 بصحبة تشارلز كونديت خطب باري سارة روسل. ولم يدرك في ذلك الوقت أنه سيغيب ثلاث سنوات.

وفي هذه السنوات الثلاث ارتحل باري في أرجاء فرنسا وإيطاليا واليونان ومصر. وكان قلائل من المسافرين يتمكنون آنذاك من الوصول إلى الشلال الثاني للنيل على غرار ما فعل. وسافر باري والمجموعة التي معه إلى مصر ووصلوا إلى الإسكندرية في أكتوبر عام 1818. ورأوا تابوتاً حجرياً على الشاطئ مع كثير من القطع الأثرية بانتظار نقلها إلى أوروبا، بعد التنقيب عنها بشكل قانوني، في طريقها لملء متحف باريس ولندن وتورينو.

وأعجب باري بحكم محمد علي لمصر، حيث ساد القانون والنظام وكان الأوروبيون يعيشون بأمان، ويلقون الترحيب من الحاكم، الذي تطلع إلى محاكاة الوسائل الأوروبية الخاصة بالأشغال العامة والتجارة والزراعة.

وتنقل باري وصديقه بيلي على ظهور الحمير إلى فرع رشيد من نهر النيل، وفي الثلاثين من أكتوبر عاينوا 30 قطعة أثرية أخرى متنوعة على جزيرة في النهر محمية بسياج، ومن هذه الآثار تماثيل للربة سخمت منحوتة من الغرانيت الأسود، أحدها ضخم يعادل حجمه حجم الإنسان.

ورسم بيري لوحات لحجر الملكة «موت ميا» الذي كان من المفترض لحاقه بمجموعة إيرل بلمور، بعد أن تم التنقيب عنها من قبل ليدي بلمور في العام السابق. وتم الحصول على إذن من أجل الرحلة صعودا في النيل لاكتشاف واختبار المواقع الأثرية.

معبد دندرة المحفوظ بشكل كامل أدهش بيري بحجمه الكبير وبالدليل الذي يقدمه على المهارات المعمارية الرائعة لبناته. الجاذبية المهيبة والعظمة تركتا أثراً كبيراً على باري أكثر من معبد البارثينون في أثينا، ووجد أن جمال وتنوع تيجان الأعمدة المصرية بديع مقارنة بالنظام الخماسي التقليدي.

رد فعل بيري كان عاطفيا إلى حد كبير على حداثة مفاهيم العمارة المصرية، وإنجاز مثل هذا العمل اللامنتهي والأصالة في الزخارف. آثار إسنا كانت الأجمل من بين كل ما رأى في مصر، وبهر باري بمعلومات اعتدال الليل والنهار مرتين في العام التي تظهر على مزولة السقف هناك وفي دندرة. ومعبد فيله كان «كنزاً من الآثار»، وإذا قورن بالمعابد الموجودة في اليونان وروما فإن تواضع هذه الأخيرة يبدو جلياً.

وقال بيري لأصدقائه إنه من المستحيل تصور شيء أكثر روعة من معبد فيله، الذي قضى فيه بيري أياما كثيرة يرسم معهم، واستبدلوا مراكبهم الكبيرة ليركبوا زوارق بدلاً منها، وعبروا منطقة شلال النيل وصولاً إلى النوبة.

وبحسب باري فإن تأثيرات اليونان والرومان والحضارات المسيحية أكثر وضوحا في العمارة هنا، حيث تم تحويل المعابد القديمة لدور عبادة مسيحية.

وفي معبد أبو سمبل الذي وصلوا إليه في التاسع والعشرين من ديسمبر عام 1818 كان مدخل المعبد المنحوت في الصخر مغمورا بالرمل ولا سبيل إلى دخوله. ودفعوا نقودا للعمال المحليين كي يفتحوا لهم الطريق. وفي أقصى جنوب الرحلة عند قرية أبو صير الأثرية، اتبعوا العرف ونقشوا أسماءهم على صخرة الرحالة، قبل الرجوع نزولاً في النيل ليلتقوا مسافرين آخرين.

وكتب باري عندئذ: «روعة طيبة التي وصلنا إليها في الخامس من فبراير تجاوزت روعة فيله». وانتهت رحلة الاستكشاف التي امتدت نحو أربعة أشهر في القاهرة، بالصعود المطلوب إلى قمة أهرامات الجيزة عشر دقائق فقط. وانطلق باري والآخرون بعدها بعبور الصحراء إلى غزة ويافا والقدس ومن ثم البحر الميت. وبحسب أحد أصدقائه فإن الرحلة كانت أقل تأثيراً مقارنة بالرحلة إلى مصر.

Email