مسؤوليتنا في وقف توليد الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في تاريخ العالم العربي من الصعب الفصل بين تأثير الداخل وتأثير الخارج، على مختلف جوانب التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ومصدر هذه الصعوبة يكمن في موقع العالم العربي الحيوي الذي يتوسط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويطل على أهم البحار والمحيطات، ويشتمل بين ظهرانيه على أهم الممرات الدولية البحرية التي يتم عبرها التبادل التجاري بين أرجاء المعمورة.

ولهذه الأسباب مجتمعة ينفرد العالم العربي بامتزاج تأثير الداخل بتأثير الخارج، الأول بما يشمله من بنى اجتماعية وثقافية ونظم اقتصادية وسياسية ونخب وفئات اجتماعية مختلفة والثاني متمثلا في القوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي وتأثيراتها الثقافية والاقتصادية ومصالحها وتنافساتها على النفوذ والهيمنة.

ربما يكون ذلك هو الأساس الذي يستند إليه الخطاب المعادي للغرب عند البعض في العالم العربي والذي يجنح نحو تحميل الغرب كافة الأوزار والمساوئ التي تعترض طريق العالم العربي نحو التطور والنمو، وذلك لا يمنع من القول بأن ثمة خطابا آخر وإن كان أقل تأثيرا يتجه فحواه نحو الداخل العربي بمكوناته الاجتماعية والتاريخية والثقافية وقصور هذه المكونات عن استيعاب الواقع العربي وتحديد المبادئ والخطط التي تكفل التطور الداخلي وتمهد الطريق له.

الخطاب الأول المعادي للغرب والذي نحمله كافة مآسينا يبدو أكثر رواجا وأكثر سهولة، فهو غير مكلف لأنه مشتبك مع طرف آخر، قد لا يسمعه أو إذا سمعه لا يهتم به، لأنه باختصار بعيد ويبدو كما لو كان طرفا افتراضيا، ومن ناحية أخرى فتبني هذا الخطاب يعفي صاحبه من الاشتباك مع الداخل وما يضمره أو يعلنه من ظواهر وأنماط تفكير وثقافة وفاعلين في المجال العام، وأخيرا وليس آخرا فهذا الخطاب يضمن قدرا من الشعبية والوطنية، ويزيح مؤقتا المسؤولية عن كواهلنا وذواتنا إلى حين ويحفظ للذات طهارتها وسموها.

في الآونة الأخيرة ومع امتداد يد الإرهاب الآثمة إلى باريس ولبنان ومالي وغيرها من البلدان، تم استدعاء الخطاب المناهض للغرب وإدانة دور الغرب في تشجيع الإرهاب وتغذيته واستخدامه ضمن أفق السياسة الخارجية الغربية، فضلاً عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، واستهدف هذا الخطاب رغم صحته النسبية تدعيم التواطؤ الجمعي والفردي حول مسؤولياتنا في إنتاج الظاهرة الإرهابية.

رغم تجاهل هذا الخطاب للدعم المادي والمعنوي الذي قدمته بعض الدول الغربية لمصر بعد الثلاثين من يونيو وخاصة دولة كفرنسا التي جندت نفسها للدفاع عن موقف مصر في الاتحاد الأوروبي بعد الثالث من يوليو عام 2013، ومن ناحية أخرى فإن هذا الخطاب يتجاهل أن الغرب أكبر شريك تجاري لمصر وأن شراكة تربطنا بالدول الأوروبية .

فضلا عن ذلك تطور الثقافة الغربية نحو حقوق الإنسان والديموقراطية والمساواة بخلاف العهد الكولونيالي الاستعماري الذي تأسس على ثقافة الاستعلاء والعنصرية وإخضاع الرجل غير الأبيض وغير الأوروبي.

إن التركيز على الخطاب الذي ينبع من الداخل ويتوجه لمكوناته بالنقد والتحليل هو الخطاب الذي يضعنا في مواجهة أنفسنا وذواتنا فرادى وجماعات، نظم وشعوب، ويضع بالتالي خريطة طريق للمستقبل تتأسس على الصراحة والشفافية وتجنب الانتقائية والازدواجية خاصة عندما يتعلق الأمر بالظاهرة الإرهابية

والسؤال الأول في هذا الخطاب يتمحور حول لماذا ارتبط الإرهاب في موجاته منذ 11 سبتمبر عام 2001 بأفراد وجماعات تعلن انتماءها للإسلام والمسلمين وتتصدر المشهد الإعلامي باعتبارهم واعتبارها طلائع المسلمين الذين يمتلكون حق الجهاد وقتل الأبرياء، لماذا يرتبط العنف والإرهاب والجهاد بجاليات إسلامية في مختلف بلدان العالم، ولماذا تتعثر هذه الجاليات في الاندماج بالمجتمعات التي تقيم بين ظهرانيها وانتهاج الطرق السلمية في الدفاع عن المساواة والمواطنة والحقوق.

أما السؤال الثاني فيتعلق بلماذا أصبح العالم العربي أكبر بيئة منتجة للإرهاب في الشرق الأوسط وأكبر حاضنة للتطرف والإرهاب سواء بالدعم المالي أو الفكري أو العقيدي.

في الإجابة على هذين السؤالين قد تتحدد حدود مسؤوليتنا عن الإرهاب، ذلك أن الجاليات الإسلامية في أوروبا وفي غيرها هي ضحية التقصير من قبل العالم العربي والتخلي عن مسؤولية تعزيز فرص تعايشها في الخارج وحسن إدارة شؤون دينها وعقيدتها وتعزيز مناعة هذه الجاليات ضد اختراق العناصر التكفيرية والإرهابية وحث هذه الجاليات على تبني الأساليب السلمية والديموقراطية في المطالبة بحقوقها ومنع التمييز ضدها والاقتداء بحركة الحقوق المدنية للأميركيين من أصول أفريقية الذين يعانون التمييز .

ولكنهم ينتهجون السبل الديموقراطية التي تكفل لهم احترام مطالبهم وتعاطف الآخرين مع هذه المطالب، إن صلة المواطنين لا تنقطع ببلدانهم الأصيلة بمجرد الهجرة أو الامتناع عن العودة بل يجب أن تستمر هذه الصلة وأن تتخذ أشكالا مؤسسية للدفاع عن حقوقهم وتحصينهم ضد التطرف والإرهاب.

أما على الصعيد الداخلي فإن جذور العنف والإرهاب الداخلية تتمثل في سوء إدارة التنوع العرقي والديني والطائفي وعجز بعض الدول عن إقرار القانون والمساواة وثقافة التعايش واحترام التنوع.

Email