خيارات أميركا الصعبة في التدخلات الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

استهدفت الولايات المتحدة الكثير من المستبدين وأنظمتهم خلال العقود الأخيرة، معمر القذافي وصدام حسين وسلوبودان ميلوسوفيتش ومحمد فرح عيديد ومانويل نورييغا وطالبان.

وبالنظر للدور العام الذي اضطلعت به على امتداد المئة عام الماضية، يلاحظ أنه خلال أي وقت تدخلت فيه الولايات المتحدة وفجرت وغادرت الدولة المستهدفة فجأة انتشرت الفوضى. ولكن عندما أعقبت استخدامها للقوة بقوات حفظ للسلام لا تحظى بشعبية، فإن ذلك أدى إلى وضع أفضل.

الدخول المتأخر للولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى أنقذ قضية الحلفاء الغارقة عام 1917. ومع ذلك وعقب هدنة عام 1918، تراجعت الولايات المتحدة فجأة، وغسلت يديها من المشاحنات الأوروبية الدائمة وقضية نزع السلاح، وأعقبت ذلك الحرب العالمية الثانية الأكثر دموية بعد عقدين من الزمن.

وقد أكون حكيماً أو أحمق بشأن الرؤساء جون كيندي وليندون جونسون الذين تدخلوا في حرب فيتنام بين عامي 1963 و1964 لمحاولة إنقاذ الجنوب غير الشيوعي المحاصر.

ولكن عقب مرور 10 سنوات من القتال الضاري والمأزق الكبير، كان من غير الممكن لأميركا التخلي عن فيتنام الجنوبية لفيتنام الشمالية الشيوعية الغازية. وأعقب ذلك معسكرات إعادة التأهيل وإعدامات جماعية ولاجئي القوارب بالإضافة إلى نحو 40 سنة من القمع الشيوعي.

المرشحون الجدد للرئاسة عادوا ليتقاتلوا بشأن حرب عام 2003. إلا أن السؤال الحاسم عقب 13 عاماً ليس ما إذا تعين أم لم يتعين على الولايات المتحدة الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين الذي أقدم على الإبادة الجماعية بحق شعبه، ولكن ما إذا كانت جهودنا المكلفة المتعلقة بإعادة البناء تقدم أي أمل بعراق مستقر.

وبحلول عام 2011، بدى العراق قابلا للحياة. ولكن قتل بضع عشرات من القوات الأميركية في العراق عام 2011. وهو المجموع الذي يمكن مقارنته تماماً مع عدد الجنود الأميركيين الذين توفوا في حوادث شهرية عادية.

الانسحاب الكامل لجميع القوات الأميركية في ديسمبر عام 2011، حول فجأة ما أطلق عليه الرئيس الأميركي باراك أوباما «عراق السيادة والاستقرار المعتمد على الذات»، وهو ما قال عنه نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إنه أحد «أهم إنجازات» الإدارة الأميركية في الأراضي القاحلة.

وتفاخرت هيلاري كلينتون بضربات عام 2011 الجوية في ليبيا وموت القذافي قائلة: «أتينا، شاهدنا وقد توفي». إلا أن تدمير قوات القذافي من الجو والتخلي عن ليبيا لصالح الإرهابيين يمكن أن يكون قد ساهم في تمكين تنظيم «داعش» على الأرض. كارثة بنغازي كانت النتيجة الحتمية لغسل أيدينا من الفوضى التي ساعدنا في ايجادها.

وعلى النقيض من ذلك، عندما لم تحزم الولايات المتحدة أمتعتها وترحل عقب حروبها الفوضوية، فإن التدخلات التي لم تحظ بشعبية، غالبا ما ساعدت على جعل الحياة أفضل بكثير ومنحت الأمن لجميع المشاركين وللولايات المتحدة وحلفائها.

وورثت الولايات المتحدة الفوضى في الفلبين عام 1899 عقب هزيمة الإمبراطورية الإسبانية في الحرب الأميركية الإسبانية. ولكن عقب مرور أكثر من عقد من الزمن على مكافحة التمرد الدموي أنشأت أميركا، في النهاية، حكومة الفلبين الوطنية التي منحت الاستقلال عقب الحرب العالمية الثانية.

تدخل هاري ترومان لإنقاذ سكان كوريا الجنوبية من العدوان الشيوعي لكوريا الشمالية حولها فورا إلى أرض بور. الصين الشيوعية أطلقت غزواً كبيراً في شبه الجزيرة الكورية. وبحلول عام 1953 وبموت نحو 35 ألف أميركي، أي أكثر بثماني مرات من عدد القتلى في العراق، استطاعت اميركا حماية كوريا الجنوبية وجعلها قابلة للحياة.

الرئيس أيزنهاور الذي كان يواجه احتمال إعادة انتخابه في عام 1956، قاوم الدعوات من أجل سحب قوات حفظ السلام الأميركية من المنطقة منزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية وحرب «ترومان» الكريهة.

وعقب مرور أكثر من 60 عاما بعد أن أنقذت الولايات المتحدة كوريا الجنوبية، لايزال الآلاف من قوات حفظ السلام الأميركية يساهمون في حماية كوريا الجنوبية الديمقراطية التي نجت من رعب الشمال النووي والشمولي.

لقي نحو 60 مليون شخص مصرعهم في الحرب العالمية الثانية، وهي الحرب العالمية التي لم تبدأها الولايات المتحدة ولم تدخلها حتى عام 1941. ومع ذلك ساعدت القوة الأميركية على مواجهة محور المعتدين.

وعلى النقيض من أحداث ما بعد الحرب العالمية الأولى، ساهمت الولايات المتحدة في إعادة تأهيل أوروبا وأسيا المنهكتين والمدمرتين عقب الحرب العالمية الثانية. خطة مارشال وحلف «ناتو» ومواجهة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة وتأسيس الاتحادات الأوروبية لاحقاً والديناميكية الاقتصادية الآسيوية، جميعا أعقبت نحو 70 عاماً من السلام النسبي.

وفي عام 1999 أقنع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون حلف «ناتو» على إخراج رئيس صربيا سلوبودان ميلوسوفيتش المسؤول عن الإبادة الجماعية من السلطة ووقف القتل الجماعي في البلقان. وعقب الإطاحة بميلوسوفيتش ساهم تواجد قوات حفظ السلام التي يقودها «ناتو» في منع جولة أخرى من القتل الجماعي.

وذكرنا دونالد ترامب خلال حملته أن الأميركيين مرضى ومتعبون من تكلفة التدخلات عبر البحار. ولكن ما ينساه ترامب هو أن العالم لا يتمتع عادة بخيار واضح يتمثل في الجيد والسيء والحكيم والغبي. الورطة عادة ما تكون خياراً سيئاً يتراوح بين تجاهل القتل الجماعي ومواصلة الاختيار الصعب المتمثل في محاولة فعل شيء أفضل كما في أفغانستان والعراق.

الخيارات مروعة إلا أن الفكرة التي تشير إلى أن أميركا يمكنها القضاء على نظام فاسد وتوقع شيء أفضل وتركه هي محض خيال.

Email