أصدرت وزارة الخارجية الصينية، كتاباً أبيض حول «مسألة الاختصاص في موضوع التحكيم في بحر الصين الجنوبي الذي باشرت به جمهورية الفلبين».

وهذا الكتاب عبارة عن صياغة للموقف القانوني والسياسي للصين بشأن القضايا التي تحيط بخلافاتها البحرية. ويفيد الكتاب أن قضايا السيادة على الأراضي وترسيم الحدود البحرية هي مركزية بالنسبة للقضية، وأن هيئة التحكيم ليست لها سلطة قضائية على مثل تلك القضايا.

علاوة على ذلك، يدعي أن الفلبين تسيء استخدام إجراءات تسوية المنازعات الإلزامية، وانتهكت الاتفاقات مع الصين في تسوية خلافاتهما من خلال المفاوضات المباشرة. وسواء عمل الكتاب على إرضاء منتقدي الصين أو لم يرضهم، فإنه يبقى وثيقة هامة تعترف ضمنياً بالقانون الدولي القائم وتعالج بعضاً من مخاوف جيرانها وانتقاداتهم.

وعلى هذا النحو، تنقل النقاش إلى ساحة القانون الدولي، حيث يمكن مناقشة القضايا بلا نهاية، وتعزز بذلك مكانة الصين السياسية في المنطقة. والصين كانت تتلقى ضربات من جانب العديد من المحللين على سياساتها وتحركاتها في المجال البحري.

وفي الواقع، بدت بعض الحكومات الأسيوية أنها في حملة من «اللوم والعار» لتشويه صورة الصين باعتبارها متنمرة متعجرفة وخطرة. لكن مثل العديد من البلدان، فإن سياسة الصين البحرية وسلوكها كانت مزيجاً من الخير والشر.

وعلى عكس الولايات المتحدة، انضمت الصين إلى 164 دولة في التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 لقانون البحار. ولم تلتزم الصين بكل أحكامها، لكن أيضا لم تلتزم دول أخرى كثيرة.

وهذه الاتفاقية ما زالت حديثة العهد، وضعت حيز النفاذ في عام 1994، والالتزام بها وبتفسيراتها في تطور. وبعض المصطلحات الأساسية مثل «حرية الإبحار»، «والأهداف السلمية» وغيرها تظل غامضة.

والصين أيضا بدأت بالوفاء بواجباتها بموجب الاتفاقية من خلال سن وتطبيق قوانين وأنظمة التلوث وحماية البيئة والثروة السمكية. وهذه السياسات والإجراءات «الجيدة» تم تلطيخها بسياسات وتصرفات «سيئة» طبلت لها وسائل الإعلام. بعض الانتقادات قد تكون في موضعها، لكن الكثير منها مبالغ به أو متحيز للغاية.

على سبيل المثال، اتخذت الصين إجراءات تبدو مناقضة لاتفاقية قانون البحار، وإعلان السلوك لـ «آسيان». كذلك فعل الكثير من الدول المعنية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، وهذه المقالة كان يمكن كتابتها عن أي دولة أو اكثر من دولة هناك.

لكن بعض المحللين المدعومين من الحكومة اختاروا إلى حد كبير تجاهل السياسة والتصرفات السلبية للآخرين، مثل النشاطات من جانب واحد في المناطق المتنازع عليها. والصين كدولة عظمى ناشئة، توجد أمالا كبيرة، ومخاوف كبيرة، وهذا يفسر إلى حد كبير المعاملة المتحيزة لها في الظاهر.

وسلوك الصين الأكثر إثارة للمشكلات بالنسبة للبلدان الأخرى، وللسلم الإقليمي والاستقرار، يكمن في رفضها توضيح مطالبها في بحر الصين الجنوبي بطريقة يمكن أن يفهمها الجميع. ومطالبها الغامضة ينظر إليها من قبل البعض كتذكير بالحكم الإمبراطوري للصين على جزء كبير من المنطقة. وهناك الكثير الذي يمكن أن تقوم به الصين، وكان لغزاً محيراً عدم قيامها بذلك.

وقد يشكل الكتاب انتقالا من سياسة وتصرفات تعكس في الظاهر موقفاً إمبراطورياً إلى تصرفات قائمة على القانون الدولي. وهو يحدد ويوضح ويدافع بمنطق عن تفسيراته لمصطلحات وأحكام الاتفاقية.

ومجدداً، سواء صمدت هذه أم لم تصمد في محكمة الرأي الدولي، فهذه قضية أخرى. إضافة إلى ذلك، يشير إلى تجاوزات مطالبين آخرين بالتشديد على سياساتها وتصرفاتها الإيجابية ومقارنتها بالسلوك «السيء للأخرين».

وتدريبات البحرية الصينية وحملاتها في بحر الصين الجنوبي لم تبعث رسالة إيجابية في الناحية السياسية، كمضايقاتها وتخويفها لسفن دول أخرى وطائراتها بسفن وطائرات حربية ومدنية على حد سواء.

نعم الصين ترد فقط على ما تراه تصرفات عدائية من قبل اليابان، لكن تلك المواجهات خطيرة أثارت قلق جميع البلدان المعنية، وليس فقط اليابان. باختصار، تحتاج الصين إلى هجوم لجذب المتخوفين منها في بحري الصين، وهذه بداية جيدة.

 ولا يعني ذلك التخلي عن مناطقها الوطنية وحقوقها ومطالبها. لكن بكين تحتاج إلى تخفيف لهجة خطابها وتصرفاتها. وإذا فشلت في ذلك، فإنها تخاطر بمساعدة استراتيجيات سياسة عامة مناوئة لها إقليمياً، إن لم يكن دولياً. وهذا من المرجح أن يوجد دينامية من النزعات القومية في إطار رد الفعل، مما يعزز احتمال الأعمال العدوانية.

وفي هذا الإطار، نأمل أن يشير هذا الكتاب الأبيض إلى بداية سياسة خارجية صينية أكثر إيجابية تجاه المنطقة.