مصر ودور العلم في المرحلة الراهنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم ضخامة التحديات التي تواجهها مصر في المرحلة الحالية، فثمة تحدٍ آخر لا يقل أهمية، ألا وهو التحدي المتمثل في تجاوز الفجوة العلمية والتكنولوجية.

حيث أصبح العلم والتكنولوجيا في الدول المتقدمة، قوة إنتاجية، ويشغلان معاً حيزاً كبيراً من الناتج القومي الإجمالي في تلك البلدان، ولن تستطيع مصر إنجاز أهداف نهضتها وبناء مستقبلها، ما لم يكن تطوير العلم والتكنولوجيا بنداً ثابتاً في الأجندة الوطنية للتنمية والنهضة، خاصة بعد إقرار الدستور المعدل بتخصيص نسبة من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق على البحث العلمي قابلة للزيادة.

ويستلزم هذا الأمر، الوعي بمجموعة من المبادئ التي ينبغي أن تشغل أذهان الجماعة العلمية الوطنية، في مقدمة هذه المبادئ، أن العلم يؤثر في المجتمع بقدر ما يؤثر المجتمع في العلم، ذلك أن العلم منوط به تلبية حاجات المجتمع للتطور وصياغة وتوفير حلول علمية للمشكلات..

وبالمثل، فإن العلم لكي يؤدي وظيفته، ينبغي أن يتحصل على مساندة مجتمعية وسياسية لكي يفرض سلطته وقواعده في المجتمع، يلي ذلك، البحث في المعوقات التي تحول دون أداء العلم لدوره ووظيفته في المجتمع، مثل العادات والتقاليد البالية، والتمثيل الرمزي السائد، وانتشار الثقافة ما قبل العلمية..

وغلبة نمط التفكير البدائي، ذلك أن العلم يستند إلي ركائز العقلانية والمنطق، وهما مفتقدان في النمط الغالب للتفكير السائد. أما ثالث هذه المبادئ، فإن العلم والتكنولوجيا ليسا مجرد معرفة وفهم مجرد، بل تحولا في العالم المعاصر إلى قوة إنتاجية مادية ملموسة، تظهر في المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالناتج القومي، والدخل المتوسط في العديد من الدول المتقدمة.

ولا شك أن الجماعة العلمية الوطنية لن تكتسب هذه الصفة، إلا إذا تحققت لها شروط معينة، من بينها الاتصال والتفاعل مع الجماعات العلمية المختلفة في العديد من البلدان، وتبادل الآراء والمعلومات بصدد المشكلات المتشابهة، وكذلك القدرة على الإنتاج العلمي المعترف به وطنياً ودولياً، والقدرة على تنظيم المؤتمرات العلمية، والمشاركة في المؤتمرات العلمية الدولية.

تتحدد مهمات الجماعة الوطنية العلمية، في اضطلاعها بمسؤولية الكشف عن الاحتياطي العلمي القائم في المجتمع، وتحويله إلى حيز الممكن والعطاء الفعلي، أي أن تدفع هذا الاحتياطي للنشاط والفاعلية، وتجذبه للانخراط في الحقول العلمية المختلفة، ويعني ذلك، جذب الموهوبين وذوي القدرات الابتكارية إلى النشاط العلمي والإنتاج.

من ناحية أخرى، فإن الجماعة الوطنية العلمية، يجب أن تتكفل بصياغة كيفية الربط بين الصناعة والإنتاج، وبين البحوث العلمية والتطبيقية في المجالات المختلفة، وتخصيص المنح والحوافز لحل بعض المشكلات المطروحة في هذا السياق.

يصف المتخصصون في سياق نشأة الجماعات العلمية، تشكل هذه الجماعات ونموها وتطورها، بنموذج الشجرة والفروع التي تتمحور حولها، فهذه الفروع في حالة الجماعة العلمية، هي بمثابة حقول ونظم معرفية جديدة، ومناطق للبحث لم تكن مطروحة من قبل، ونموذج الجماعة العلمية، يستهدف خلق أجيال جديدة من العلماء والباحثين المتخصصين في الحقول المعرفية المختلفة، وأن تشكل هذه الأجيال مصادر لدعم الاستراتيجية العلمية، وتطوير فاعليتها في المجتمع.

ولن تستطيع الجماعة العلمية تأدية هذه المهام المختلفة، إنْ في مجال تطوير نفسها أو تطوير المجتمع وتلبية حاجات تطوره، دون أن تلقى المساندة السياسية والمعنوية والمادية من الدولة، إذ يجب على الدولة أن تخصص المزيد من الدعم المادي والموارد المالية للبحوث العلمية والتطوير، وتأمين الاستقلال للمؤسسة العلمية الوطنية في وضع برامجها وبحوثها.

إن العلم والتكنولوجيا، هما عماد أي نهضة، ويمثلان طاقة إبداعية وإنتاجية جديدة ومتجددة، يمتد عائدهما إلى كافة القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية وغيرها، وفضلاً عن ذلك، فهما يسهمان في نشر الثقافة العلمية والعقلانية الضروريين لمتطلبات النهضة الشاملة، الثقافية والعلمية.

إن فتح صفحة جديدة في مجال تطوير البحوث العلمية والتكنولوجية، مهمة لا غنى عنها في المرحلة الراهنة، حتى يمكن لمصر تجاوز التخلف، وتوفير شروط إقلاع التنمية في كافة المجالات.

 

Email