جعفر وعمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

(دخول إلى النص)

سبق لي أن سألتكم: هل سمعتم عن قط قام بحرق قط آخر؟!، هل سمعتم عن نمر أو أسد قام بتثبيت المسامير في جمجمة نمر أو أسد؟! هل سمعتم عن دجاجة قامت بفصل رأس كتكوت بريء بسبب الغيرة والحقد الذي تكنه لدجاجة أخرى.. أو بسبب الغيرة على أحد الديكة؟!،هل سمعتم، أو شاهدتم، أو قرأتم عن أي (كائن) قام بإبادة كائنات من نفس نوعه. باستثناء هذا الكائن الذي يسمّونه: «إنسان»؟!

(1)

يحدث في هذه المنطقة من العالم أن يُقتل شخص اسمه «عمر» لأن اسمه «عمر»، ويقتل شخص آخر لأن والده سمّاه «جعفر». وربما أن «جعفر» و «عمر» أحدهما يقتل الآخر. كلاهما: قاتل وقتيل!

ربما لو أن «جعفر» و«عمر» عاشا في منطقة أخرى - دولة مؤسسات وقانون وحقوق إنسان - ستجدهما على طاولة واحدة يحتسيان القهوة ويتبادلان النكات، ربما ستحب ابنة أحدهما ابن الآخر وتتزوجه، ربما سيكون - جعفر وعمر - جدين لطفل واحد.

جعفر وعمر لهما نفس فصيلة الدم ونفس الملامح ويتحدثان بنفس اللغة ونفس اللهجة. ويطربان لنفس الأغاني ونفس القصائد. وربما يلتقيان بنفس العشيرة، ومن المحتمل أنهما يلتقيان بنفس الجد التاسع. وكلاهما يرى أنه «مسلم» وكلاهما يرى أن «الخير» في كراهية الآخر، وكلاهما يُفكّر وبحماسة: من سيقتل صاحبه قبل الآخر!

(2)

جعفر وعمر لم يشعرا طوال حياتهما بـ «الدولة»، لم يكن أي منهما يحمل هوية «المواطنة» التي لا تفرّق بينهما. سقطت الدولة - التي تظن نفسها «دولة» - فجأة. تفتت «الهوية» المزيفة، صارا يبحثان في الهويات الصغرى عن هوية تجعلهما يشعران بالانتماء..صار كل منهما عضو في «مليشيا» مهمتها: قتل جعفر وعمر!

(3)

جعفر وعمر.. معلقان بالتاريخ، ولهذا لا يريان المستقبل!

(4)

خبر عاجل: مقتل جعفر وعمر في انفجار نفذه مجهول!

(خروج عن النص)

آلاف السنوات التي مرّت على البشرية من الحضارة والتقدم، آلاف الأنبياء والمصلحين والفلاسفة والمفكرين والشعراء. وملايين الكلمات الطيبة: لم تستطع أن «تؤنسن» هذا الإنسان.لا يزال الإنسان كائناً متوحشاً. انزع عنه قشرة الحضارة، واستفز عرقه أو معتقده أو الطائفة التي ينتمي إليها، ليخرج لك هذا المارد خلال لحظة غضب. الإنسان: كائن متوحش. وحدها الدولة الحديثة تحكمه كما يجب.

والقانون يروّضه. والحضارة والعلم والمعرفة تهذّبه. لا بد من ( مُواطَنَة ) تذوب فيها اختلافاته ومعتقداته، ويختلط فيها لونه مع بقية الألوان، و(قانون) صارم يُطبق عليه وعلى غيره ليحميه منهم ويحميهم منه.

ومع هذا، لا أضمن لك أنه لن يلغيك أو يسحقك أو يقتلك، باسم جديد: الوطنيّة!

لا أوطان في هذه الأوطان.. ولا مواطنة.

 

Email