إطفائيٌّ يُجِيد إشعالَ الحرائق!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أنّ الأمن الإقليمي مفهوم مترابط لا يتجزأ، وأن العمل على ضمان هذا الأمن وحمايته لا يتحصّلان ولا يستقرّان إلا من خلال إطار جماعي ورؤية مشتركة تتأسسان، في حقيقة الأمر، على مبدأ احترام السيادة الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والإيفاء بمتطلبات الشرعية السياسية والقانونية.

ولقد كانت دولة الإمارات أول دولة خليجية ترحب بالتوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني، وعبّرت الإمارات منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه قوى (5+1) عن اتفاقها مع إيران على تسوية البرنامج النووي الإيراني، عن أملها في أنْ يصاحب الاتفاق النووي التاريخي رغبة إيرانية حقيقية في المساهمة الإيجابية في إطفاء النيران المشتعلة في الإقليم وإبعاد المنطقة عن فتن الطائفية والتطرف والإرهاب.

لكن الإمارات ترى اليوم أنها أصيبت بخيبة الأمل في أن يكون التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني بداية مرحلة جديدة مفصلية لانخراط إيران الإيجابي في صيانة البيئة الأمنية الإقليمية من التخريب والفوضى وعناصر ومصادر الفوضى واللا استقرار.

وقد عبّر عن ذلك سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي بقوله قبل أسابيع «لو أنّ إيران بذلت مع الدول العربية الجهد والحماسة نفسيهما اللذين بذلتهما لحلّ ملفها النووي مع الغرب لحلّت جميع مشكلاتها مع الدول العربية، لكنّ الجدية الإيرانية تجاه العرب غير موجودة»، مضيفاً: «ما نراه مجرد أقوال لا أفعال، والمطلوب أن تتوقف إيران عن تصرفاتها السلبية لكي تثبت حسن نيتها».

إيران تحاول أن تقدّم صورتها إلى الغرب وكأنها الإطفائي الذي يطارد إرهاب المنطقة، ويتناسى هذا الإطفائي، تحت وطأة «الإنكار» أنه حيثما حلّ وتدخل في منطقة وجدناها صارت خراباً بعدما كانت عامرة.

فالإطفائي الإيراني له مزايا غير مزايا الإطفائيين الذين نعرفهم، ممن يحاصرون الحرائق، بالفعل، ويحافظون على البشر والعمران والحضارة، بل إنه على العكس من ذلك، فمنذ أن استحكم «حزب الله» بلبنان، نجد البلد تتراجع صورته الذهنية في وعينا، فالثقافة والسياحة والنظافة والانفتاح في تراجع تحت وطأة سلاح «حزب الله» والثقافة الجديدة التي يشيعها في سويسرا العرب وباريسهم، ويمكن قول ما هو شبيه بهذا في عراق الحضارة وسوريا التاريخ والتمدن وسواها.

الشعب الإيراني العريق ممنوع بقوة «البسيج» ومقولات «الأمن الثقافي» أن يقدّم لنا ثقافته الراقية وتحضره وإبداعاته، وما يرسم صورة إيران اليوم «الحرس الثوري» و«فيلق القدس» وقاسم سليماني والقوة الصلبة والخشنة. هؤلاء الأخيرون يشعلون الحرائق في المنطقة بتدخلهم في شؤونها وبإنهاض أزماتها الطائفية والمذهبية.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة قوة داعمة للأمن والاستقرار الإقليمي، وهي مع أي جهد دولي أو إقليمي يستهدف تحقيق السلام والتعايش والتعاون بين دول المنطقة، فضلاً عن دعواتها المستمرة إلى الحوار والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه دول الإقليم، وهي تفعل ذلك لإيمانها بأن تعزيز السلام والاستقرار والأمن والعدل هو المدخل لتعزيز التنمية والرفاهية المستدامة لشعوب المنطقة.

إننا نقول إن المليارات التي ستأخذها إيران بعد رفع العقوبات يمكن أن تقلب صورة المنطقة رأساً على عقب، فيما لو مدّت طهران يدها إلى يد جيرانها العرب وتوقفت عن تصدير الأزمات لهم، وبدأت صفحة جديدة وعهداً مختلفاً معهم يركّز على رفاهية أبناء المنطقة، شيعة وسنّة وأكراداً ومسيحيين، وتعاونهم وتعليمهم بدلاً من وضع تلك المليارات في خدمة اقتتالهم الأبدي من خلال دعم المليشيات والطائفيين، الذين تبغضهم الأغلبية الساحقة من الشيعة والسنّة على حد سواء.

دولة الإمارات تنظر إلى إيران كدولة جارة عريقة وبلد كبير ومهم في المنطقة ومن حقه أن يحظى بمكانة إقليمية ودولية تليق به، لكنّ الإشكالية التي تعانيها دولة الإمارات في التعامل مع إيران؛ أنها، تمارس في سياساتها الإقليمية دوريْن: دور الفاعل الدولة (الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف)، ودور الفاعل ما دون الدولة (من خلال دعم «الحرس الثوري الإيراني» ومؤسسة المرشد الفصائل والمجموعات والمليشيات الشيعية التي تقوّض استقرار المنطقة).

وإذْ ترغب وتؤيد دولة الإمارات النفوذ الإيجابي لإيران الداعم للاستقرار الإقليمي فإنها ترفض وتقاوم نفوذها السلبي القائم على تحقيق الهيمنة الإقليمية عبر تدخل إيران في الشؤون الداخلية الخليجية والعربية، وتؤكد الإمارات أن هذا لا يخدم الاستقرار والأمن الإقليمي.

إنّ التحالف الإماراتي - السعودي لا ينظر إلى إيران كدولة عدوة، والحرب في أدنى سلّم خياراته مع إيران، وهو يسعى فقط إلى تأمين المصالح الإماراتية والسعودية، وإقامة بيئة أمنية إقليمية ترتكز على التوازن الإقليمي والشراكة العادلة في إدارة شؤون الإقليم بما يحفظ سيادة الدول ويحميها من الفوضى والفشل، ويعدّ هذا جزءاً أساسياً من رؤية الإمارات لمعادلة الأمن الإقليمي ولفهمها لحيثيات الجغرافيا السياسية لدول الإقليم.

الإمارات تمدّ يدها لإيران لتجاوز الخلافات الثنائية بين البلدين (احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث) ووقف التدخل في الشؤون الخليجية والعربية ودعم مصادر الاستقرار والازدهار والاعتدال في الإقليم.

وهذا من شأنه بناء نظام للأمن الإقليمي (بالشراكة الاستراتيجية بين إيران والدول الخليجية والعربية) يكون طموحه التعاون والعمل على إحالة منطقة الشرق الأوسط من بيئة للصراعات والنزاعات والحروب إلى أكثر المناطق في العالم ازدهاراً ونمواً واستقراراً واستثماراً خلال العشر سنوات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يجعل نموذج دبي منتشراً في كل بلد من بلدان المنطقة.

واليد الإماراتية ما زالت ممدودة لإيران لجعل المنطقة ورشة كبرى للإعمار والبناء والنهضة الاقتصادية والتعاون الجماعي وتوظيف التنوع السياسي والعرقي والمذهبي والديني لدى شعوب المنطقة باتجاه الأمن المستدام والشامل وليس مِعوَلاً للهدم والكراهية والعنف.

Email