الحكمة التقليدية في السباق الرئاسي الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفجر الحملة الرئاسية الأميركية الحالية الكثير من المواقف السياسية. ولسنوات كثيرة تمثل الرثاء التقليدي في أن بوش «الخطأ» ترشح للرئاسة عام 2000.

جورج بوش الابن كان مقيد اللسان على الأغلب. وتدور الأسطورة عن ما يلي: فقط لو أن جيب بوش، الأخ الأصغر الذي يتحلى بليونة المنطق وكان وقتها حاكم فلوريدا، خاض السباق الانتخابي لكان ذلك أفضل. وقيل إن جيب أكثر ميلاً للعمل من خلال الحزبين وحصيف. وقيل إنه محبوب أكثر من أخيه، وإنه سليل أكثر كفاءة في الحكم. وتذكرنا المناقشات الدائرة حالياً بمدى زيف تلك المقارنة.

وقد يكون بوش أكثر إثارة للجدل، إلا أنه كان حاسماً وثابتاً ويتمتع بكاريزما وعلى اتصال بالجماهير، وهذه جميعها صفات لم يتحل بها جيب، الذي يحب القراءة والذي يعد «قليل الحيوية». واستبعد المتابعون لنحو أربعة أشهر دونالد ترامب الشخصية اللامعة بسبب الشتائم التي يكيلها لمنافسيه ومحدودية خبرته السياسية ونرجسيته المفرطة. إلا أن اسمه كان يرتفع في استطلاعات الرأي كلما تعرض لانتقاد ما.

وعقب دورتي الانتخابات الرئاسية اللتين فاز فيهما الرئيس الأميركي باراك أوباما، أعلن كل من الليبراليين وعموم الديمقراطيين أنهم الحزب الوحيد الذي يبدو أنه يعبر عن أميركا الجديدة متعددة الأعراق. الجمهوريون في المقابل شطبوا من المعادلة باعتبارهم من متحجري العقول المتشبثين بامتيازاتهم السابقة.

الحملة فجرت تلك الأسطورة أيضاً. فميدان الحزب الجمهوري أكثر تنوعاً، على الرغم من أن المرشحين الجمهوريين يرون في عرقهم أمراً عرضياً بدلاً من كونه أساسياً. والمرشحون يضمون الشباب (تيد كروز وبوبي جندال وماركو روبيو في عامهم الرابع والأربعين)، والمتنوعين عرقياً (كروز وجندال روبيو وبن كارسون) والمستقلين الذين ليست لهم خلفيات سياسية (كارسون وترامب وكارلي فيورينا).

وفي المقابل، يبدو المرشحون الديمقراطيون أكبر سناً بكثير وجميعهم من العرق الأبيض ويتمتعون بخبرة سياسية. المليونيرة هيلاري كلينتون وحدها تفتخر بأنها مرشحة أنثى على عكس نظيرتها فلورينا التي لا تبدي اهتماماً للمسألة. إلا أن هيلاري ليست بالشابة ولا بالمستقلة. فهي تمثل نصف سلالة كلينتون الحاكمة المتعبة، التي ازدهرت في وول ستريت وواشنطن بشكل جيد على نحو يمتد إلى القرن الماضي.

سجل أوباما نسباً منخفضة في استطلاعات الرأي، لا سيما بين المحافظين. وغالباً ما يشير فريقه إلى أن العنصرية هي السبب. إلا أن ترشح كيرسون، المحافظ البارز الأميركي من أصول إفريقية، أظهر أن أجندات أوباما اليسارية المثيرة للخلاف، إلى جانب سياساته الاقتصادية والخارجية الفاشلة، هي ما نفر نصف البلاد، وليس كونه من أصول أفريقية.

التحيز الإعلامي عادة ما ينحى جانباً باعتباره شكوى المحافظين السيبرانية، إلا أن المتابع للجدل الدائر في «سي إن بي سي» يلاحظ الفرق المحرج بين معاملة المذيعين للجمهوريين وكيف أجرت قناة «سي إن إن» نقاشها الديمقراطي. وبذلك تخلت وسائل الإعلام الجريئة عن كل ادعاءات الموضوعية بطريقة لم يشهد مثلها منذ عام 2012، وذلك عندما تدخل المشرف على النقاش الرئاسي كاندي كرولي لمساعدة أوباما في دفاعه المتخبط عقب انتقاد رومني له بشأن الهجوم على بنغازي.

الإعلام اللاحزبي عادة ليس صريحاً حيال تحيزه الليبرالي. ولكن هذه المرة بدت أوجه التحيز من الوضوح بحيث انعكست بالسلب على «سي إن بي سي» التي ندم إداريوها على ذلك.

الحكمة التقليدية تقول أيضاً إن حكام الولايات هم مرشحون أفضل ورؤساء أفضل مقارنة بأعضاء مجلس الشيوخ. ولكن حتى الآن ليس هناك أي من هؤلاء في مقدمة قائمة المرشحين في كلا الحزبين. وحقيقة فإن أنجح القيادات الماضية والحاضرة هم بوش وجندال وكريس كريستي ومايك هاكابي وجون كاسيتجج وجورج باتكي وريك بيري وسكت وولكر ومارتن أومالي، وهم ممن صارعوا في الانتخابات أو انسحبوا من السباق.

وربما يجب على الحكام الذين يمارسون سياسة التنازلات المتبادلة أن يجروا مساومات، وأن يبدوا كمن يفتقر إلى الإرادة على منصات إلقاء الخطب. أعضاء مجلس الشيوخ والمستقلون يفعلون ذلك بينما يرجون الفوز، ويبدون أكثر دهاء حيال الإعلام وجمع المال.

الحملة الانتخابية بدأت للتو، ويبدو أنه تم تجاهل الحكمة القديمة وأن هناك كثيراً من الأمور التي ستتكشف لاحقاً.

 

 

Email