إدارة أوباما ومنتقدوها وداعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجدل الدائر اليوم داخل الولايات المتحدة حول «الحرب الأميركية على الإرهاب» يستحق التأمل لأن الغموض يلف مواقف الأطراف المختلفة بينما يظل أهم ما يميز موقف إدارة أوباما هو الخلافات بين أجهزتها التنفيذية.

ويمكن القول إن هناك معسكرين كبيرين من منتقدي إدارة أوباما، الأول هو ذلك الذي يعتبر أن الإدارة موقفها «ضعيف» في مواجهة داعش تحديدا ولا تحقق نجاحا يذكر، بينما ينتقد المعسكر الثاني الإدارة من الناحية العكسية، إذ يرى أن عليها اتباع سياسة «الاحتواء» بدلاً من السعي للقضاء على داعش.

فالمعسكر الأول يعتبر أن موقف إدارة أوباما «الضعيف» ضد داعش في سوريا والعراق هو المسؤول عن اتساع نطاق عمليات التنظيم إلى خارج البلدين ونجاحه في تجنيد المزيد من الشباب، ومن ثم فإن أصحاب هذا الموقف يطالبون الإدارة باستخدام المزيد من القوة العسكرية من أجل القضاء على التنظيم.

ويرى هذا الفريق أن اعتماد إدارة أوباما على وكلاء محليين ليحاربوا داعش نيابة عن الولايات المتحدة «ثبت فشله» ولابد من أن تنخرط القوات الأميركية «بشكل مباشر في الحرب». أما المعسكر الثاني، فهو يرى أن هزيمة داعش هزيمة كاملة يتطلب التزامات عسكرية ومادية تذهب إلى ما هو أبعد بكثير مما تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها حول العالم القيام به.

لذلك فإن استخدام القوة العسكرية وفق المستوى الحالي من الالتزام الأميركي والدولي والإقليمي لا يؤدي للقضاء على داعش وإنما على العكس يخدم التنظيم إذ يتيح له تجنيد المزيد من الشباب.

ومن هنا، فإنه في ضوء الالتزامات الراهنة، ينبغي أن يكون هدف الولايات المتحدة هو «احتواء» التنظيم، على حد تعبير ذلك الفريق، بمعنى السعي لحرمان التنظيم من التمويل ومن توسيع نطاق عملياته لتشمل مزيدا من المناطق حول العالم.

وموقف الطرفين يستحق التأمل من أكثر من زاوية. أولها أنه رغم أن الفريقين يبدوان على طرفي النقيض في أفكارهما، إلا أن المدقق يلحظ جوانب اتفاق بينهما، منها مثلا اتفاقهما على أن المستوى الراهن من القوة العسكرية لا يحقق الهدف، ومنها أن تلك المواجهة تحتاج لمستوى من الالتزامات الأميركية والدولية ليس متوافرا.

وثاني النقاط التي تستحق التأمل هو أن الغموض يلف مواقف كلا المعسكرين بشأن التفاصيل، فالمعسكر الأول الداعي إلى استخدام المزيد من القوات العسكرية الأميركية وبشكل مباشر وليس عبر أطراف محلية لا يبدو بداخله أي اتفاق بشأن المستوى المناسب مثلا من القوات العسكرية.

وما إذا كان يتضمن ذلك مثلا قوات برية أميركية في سوريا، كما لا يوجد اتفاق بين أنصار هذا الفريق حول مدى اتساع نطاق العمليات العسكرية، ولا على شكل الترتيبات النهائية في سوريا بعد انتهاء تلك العمليات، ولا حتى اتفاق على من هم بالضبط الحلفاء والخصوم الإقليميون.

 أما المعسكر الثاني الذي يطالب «باحتواء» داعش لا محاربته، ففيه اختلافات أيضا بشأن أي «المناطق» تلك التي يقصد هذا الفريق ألا يتمدد فيها داعش، فبعض أنصاره يقصدون مناطق داخل العراق وسوريا، بينما يقصد بعضهم الآخر «بالمناطق» دولا أخرى في المنطقة، بينما تعنى المناطق عند غيرهم حلفاء أميركا الأوروبيين والولايات المتحدة فقط.

أما إدارة أوباما، فهي ترفض موقف المعسكرين وتعتبر أن ما تقوم به حاليا هو الاستراتيجية الأفضل، وهي الاستراتيجية التي تقوم بالأساس على المواجهة من الجو وتجنب إنزال القوات البرية ومساعدة وتسليح فرقاء محليين في سوريا والعراق لمحاربة داعش على الأرض، وإدارة أوباما تشهد معارك داخلها بين الهيئات التنفيذية المختلفة التي تصنع القرار.

فالبنتاجون يرفض تسليح المعارضة السورية الذي تقوم به المخابرات المركزية لأنه يرفض الإطاحة بالنظام السوري باعتبار أن البديل لن يكون تلك المعارضة وإنما داعش، ووزارة الخارجية الأمريكية ترفض رغبة البنتاجون في إقامة شبكة من القواعد العسكرية الأمريكية في أفريقيا وجنوب أوروبا لتنطلق منها الهجمات الجوية والمهام الاستطلاعية والاستخباراتية.

لكن لعل أخطر ما تسعى له إدارة أوباما في الوقت الحالي هو الحصول على موافقة الكونجرس على مشروع قانون يعطى الرئيس الحق في استخدام القوة العسكرية ضد داعش، ورغم أن مشروع القانون يذكر بوضوح أنه لا يتضمن إرسال قوات برية لسوريا إلا أن الخطورة الحقيقية تكمن في اللغة الفضفاضة التي يستخدمها النص والتي تخول الرئيس الحق في استخدام القوة العسكرية دون تحديد مجال جغرافي واضح، والمشروع المقدم ينص على استخدام القوة العسكرية ضد «داعش والأفراد أو القوات المرتبطة بها».

في تعريفه لمعنى تلك العبارة يقول النص إنهم «الأفراد أو المنظمات التي تحارب مع أو نيابة عن داعش أو أولئك المنتمون لأي كيان يخلفها (أي داعش) ويكون معاديا للولايات المتحدة وشركائها»، ومثل تلك التعريفات الفضفاضة دون تحديد مجال زمني معناه جعل أرض أية دولة بأي مكان بالعالم، مسرحاً للعمليات الجوية الأميركية طالما قرر الرئيس الأميركي، بمفرده، أن منظمة ما، على أرض تلك الدولة ذات السيادة، «تحارب نيابة عن داعش»!.

Email