ليبيا.. ولحظات الخطر الأكبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقدر ما كانت نهايات عام 2015 سعيدة على صعيد الأزمة الليبية بعد التوصل إلى اتفاق الصخيرات بين الفرقاء السياسيين,بقدرما كانت بدايات العام الجديد مثيرة للقلق الشديد بعد فشل المبعوث الأممي مارتن كوبلرفي الحصول على توقيع قيادات وفعاليات بارزة في الأزمة، بل وطرده من العاصمة الليبية.

من حيث المبدأ كانت هناك مؤشرات عديدة وعاجلة برزت في أعقاب توقيع اتفاق الصخيرات لإعادة السلام والاستقرارإلى البلاد تؤكد أن هذا الاتفاق سوف يسيربالفعل على طريق مليء بالأشواك وأن تنفيذه لن يكون سهلا ميسورا وإنما ستعترضه مشاكل وصعاب عديدة قد تعرقل أو تبطئ خطواته وربما تنسفه من جذوره لو انتصرت التوقعات المتشائمة على الرؤى المتفائلة التي لا ترى خلاصا للأزمة الليبية إلا بإنجاز هذا الاتفاق.

ويبدو أن تمدد تنظيم داعش الإرهابي واستيلاءه على مساحات ليست قليلة من الأراضي الليبية واقترابه من مصافي وموانئ النفط قد عجل من توقيع الاتفاق، ولكن إقرار مجلس الأمن له لا يعني بالضرورة أن الأرض باتت مهيأة سواء لإنجازه أو دحرالإرهاب، فاحتمالات التعثر تظل قائمة وهو ما يمكن أن يتم بالفعل إن استمرت حالة الرفض للاتفاق والتناحر فيما بين الأطراف على كعكة لن تكون قادرة على المحافظة عليها خاصة مع مضيها قدما في حالة الانقسام والاقتتال فيما بينها.

فضلا عن تدفق عناصر لإسناد الإرهابية والدعم المالي واللوجيستي من الخارج بالأفراد سواء من سوريا أو العراق، وكذلك نجاح بعض الجماعات المتطرفة في بعض الدول الإفريقية في استثمار ضعف الاستقرار لفرض وجودها في ليبيا باعتبارها موقعا استراتيجيا على حدود البحر الأبيض المتوسط وأيضا مصدر مال بعد السيطرة على بعض منابع النفط.

وربما هناك سبب آخر يتعلق بانشغال البلدان المجاورة، مصر وتونس والجزائر، بمشاكلها وأوضاعها الداخلية، وإن كان ذلك لم يمنعها من التواصل والتفاعل مع الأزمة الليبية من خلال منظومة دول الجوار التي تضم إلى جانبها سبعا من الدول العربية والأفريقية.

ولاشك أنه مطلوب بالموازاة مع التوقيع على اتفاق الصخيرات، التوصل إلى قرار إقليمي ودولي لتعزيز الرقابة على السواحل الليبية، وعلى الحدود الجنوبية لمنع تدفق المنتمين لتنظيم داعش، كما يجب السعي إلى رفع حظر السلاح المفروض على ليبيا بقرار من مجلس الأمن.

وهو أمر لن يتحقق وفقاً لما أكده كوبلر إلا بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني بالطبع مع ضبط آليات التسلح وتكوين جيش وطني حقيقي يمكنه أن يستوعب الميليشيات التي ظلت متصارعة في السنوات الماضية,لتصبح جزءاً من منظومة الدولة وليس خصماً منها,وهو ما يمكنه من فرض معادلاته على التنظيمات الإرهابية ومع ذلك ستظل هناك بعض الألغام التي تكمن في تفسير نصوص الاتفاق.

ما يستدعي شفافية ونزاهة وقراءة صحيحة لمفردات المشهد الليبي حتى يمكن القفز عليها وإبطال مفعولها وتلك مهمة ليست سهلة بكل تأكيد في ضوء الحقائق الميدانية الكثيرة، التي من بينها الاﻧﻘﺴﺎﻣﺎﺕ الداخلية ﺍﻟﻐﺎﺋﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺗﺤﺪﻳﺎً ﻟﻠﺠﻬﻮﺩﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻟﻮﻗﻒ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ,وخاصة بين ﻋﻘﻴﻠﺔ ﺻﺎﻟﺢ و ﻧﻮﺭﻱ ﺃﺑﻮ ﺳﻬﻤﻴﻦ لوجود تحفظات جسيمة تجسد الصراع الجديد بين أنصار من ينتصرون للحوار الليبي-الليبي وأولئك المتحمسين للاتفاق الأممي.

ووسط هذه الأجواء أعرب كوبلر عن قلقه إزاء تطورات الوضع الأمني وتكرار الاشتباكات المسلحة ودعا جميع الأطراف الليبية إلى الاستفادة من الزخم الذي تولد بفعل توقيع اتفاق«المصالحة الليبية»، وتعكس تلك التطورات خطورة الوضع الأمني في البلاد ومدى هشاشة الموقف الذي لايزال بحاجة إلى جهود سياسية ودبلوماسية جبارة للحد من الانقسامات والفوز بموافقة الأطراف الفاعلة كافة وتجنب لحظات الخطر الأكبر.

Email