خواطر مواطن عن الشيخ القائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت فتى يافعاً، لم أبلغ العشرين عاماً بعدُ، يومَ تشرفتُ بمقابلة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لأول مرة، حين ذهبت للقاء سموه في استراحة المرموم مرافقاً للمرحوم الوالد، ولعل تلك المقابلة لا تزال منطبعة في ذهني باعتبارها شكلت الفكرة الرئيسية عن هذا الشيخ الرائد والقائد رغم تعدد اللقاءات مع سموه بعد ذلك.

يومها، وقفت أمام «وزير الدفاع الاتحادي» مغموراً بشعور غريب، لأن ما لدى سموه من كاريزما شخصية يأسرك، خاصة عندما تقابله لأول مرة، ولعل جزءاً من هذا الشعور لا يزال معي في كل مرة أتشرف بمقابلة سموه منذ ذلك اليوم، يتمثل في قدرة سموه الفريدة على إشعار الواقف أمامه كما لو كان الوحيد الموجود مع سموه، وكأنه محور انتباه وتركيز سموه الوحيد.

لا يشعرك أبداً أنك أدنى منه، بل يتعامل معك وكأنك صديق قديم يستمع لك بانتباه، وبإصغاء، يتابع كل كلمة تقولها مهما بدت لك بسيطة أو عفوية، ويشعرك أن كل فكرة تقولها مهمة عنده ولها قيمتها وجدواها، سواء كنت صغيراً أو كبيراً، وسواء كنت مواطناً أو مقيماً، طالما لديك شيء تضيفه فإنه يستمع إليك، تماماً مثلما يستمع لأقرب المسؤولين إليه.

ولعل أبرز ما تعلمته من سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في ذلك اللقاء الأول، الثقة بالنفس، وله سموه طريقته الخاصة في غرسها في نفوس من يتعاملون معه خاصة للمرة الأولى، فهو يشعرهم بالثقة من خلال جعلهم يشعرون بثقته بهم، وأنهم محل للثقة، وهذه أولى خطوات الثقة بالنفس، ولعل من يعرفون هذه الصفة عن سموه يذكرون كيف أنه في كل تخطيطه التنموي لدبي أو للإمارات كان دائماً يضع مسألة الثقة بالنفس على رأس أولويات تمكين الشباب والشابات المواطنين حديثي التخرج وتوفير الفرص الوظيفية أمامهم.

أما اهتمام سموه بالتفاصيل وقدرته على تقبل الاقتراحات والأفكار وإعادة إنتاجها وتعظيمها والبناء عليها فمدرسة لوحدها تستحق التوقف عندها، لما فيها من دروس لنا جميعاً، ليس فقط من هم في موقع المسؤولية والقيادة، وإنما نحن جميعاً، لأن الاهتمام الإيجابي بالتفاصيل والأفكار، والبناء المنتج على الأفكار القابلة للتطوير صفة إيجابية من صفات القادة الناجحين.

وكم حري بنا أن نتعلم من سموه هذه المهارة ونطبقها في حياتنا وعملنا، خاصة وأن سموه من رواد الإدارة الإيجابية، ليس على صعيد المنطقة فحسب وإنما على صعيد العالم أيضاً.

لهذا، ربما لا نبالغ إن قلنا إنه لا توجد لدى سموه فكرة لا يمكن البناء عليها، لذلك تجده يرحب بأفكار الجميع، ولعل هذا هو السر في مبادرة سموه الأخيرة بطرح مجالس محمد بن راشد الذكية، ومبادرات العصف الذهني التي يقوم بها مع فرق عمله المختلفة.

ومما يستوقفني في شخصية الشيخ القائد، رعاه الله، ذلك الاهتمام الفريد الذي يوليه للطفولة. والحقيقة أن الأمر لا يتعلق فقط باهتمامه هو كأب ووالد بالأطفال وحدبه عليهم، بل يتعلق أيضاً بصورة القدوة الإيجابية التي يريد للأطفال والناشئة أن ينظروا إليها، ليروا قائدهم قريباً منهم يتعلمون منه ويتطلعون إليه كقدوة أخلاقية ومثل أعلى في الوطنية والإنتاجية والعطاء والبناء.

وهذا أسلوب متبع في كثير من دول العالم كالولايات المتحدة التي يوجد لديها برنامج لزيارات الشخصيات البارزة كالأبطال العسكريين والعلماء ورواد الفضاء للمدارس لإبهار الأطفال وتقديم أنموذج القدوة الحسنة لهم، لكن صاحب السمو هنا لا يهتم بالإبهار قدر ما يهتم بالقدوة الحسنة التي يريد من خلالها للأطفال أن يقتدوا به ويتمثلوا بمساره الأخلاقي وبإنجازاته وعطاءاته، وهذا جانب في غاية الأهمية من جوانب شخصية سموه القيادية يتكامل تماماً مع الثقة التي يمنحها للشباب وحديثي التخرج.

واليوم ونحن نحتفي بالذكرى العاشرة لتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، مسؤولية الأمانة الأولى في دبي ورئاسة مجلس الوزراء الاتحادي، لا بد لنا أن نلحظ حجم التغيير الذي أحدثه سموه على مختلف الصعد، لكنني أريد أن أتوقف عند صعيد واحد فقط منها.

ألا وهو صعيد علاقة القائد بالناس، لأن سموه أحدث نقلة جذرية ونوعية في علاقته كحاكم وكرئيس وزراء بالمواطن الإماراتي، بحيث لم تعد العلاقة مقتصرة على فتح الأبواب لتلقي الشكاوى، وإنما لكي يكون المواطن شريكاً فعلياً في عملية البناء الجمعي التراكمية.

لكن أهم ما فعله «بوراشد» في رأيي المتواضع هو تعزيزه لثقة المواطن الإماراتي في دولته وفي قيادته وفي قدراته، بحيث أصبح المواطن يدرك أنه محور اهتمام الحكومة وعملها، وتخطيطه طويل الأمد مع أخذه بعين الاعتبار لكل العوامل والمتطلبات الضرورية لسعادة الإنسان الإماراتي وطناً ومواطناً، وكيف لا وهو الذي قضى عمره المديد بإذن الله، يمارس هذا النوع من التخطيط المتفوق في بطولات القدرة والفروسية المختلفة.

ألم أقل لكم إن التميز في القيادة عند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، هو نمط حياة يعيشه كل يوم، وليس مجرد مهارة إدارية.

Email