مدرسة القيادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن يلتحق الإنسان بأعرق الجامعات أمر متاح... وأن يتتلمذ على يد أبرز العلماء وأغزرهم معرفة أمر ممكن... وأن ينهل من المعارف والعلوم يبقى شأناً مرهوناً بالوازع الشخصي على التعلّم والاطلاع... لكن أن تمنحك الحياة فرصة نادرة أن تنشأ في مدرسة القيادة وتعايش رؤية قائد من طراز فريد... فهي فرصة نادرة ربما لا يحظى بها كثيرون...

وقد أراد الله أن أكون وإخوتي من بين أصحاب هذه الفرصة بانتمائي إلى مدرسة قائد أبهر العالم برؤيته التي تميزت بتجاوزها الواقع إلى المستقبل ونظرته المتعمقة في بواطن الأمور لتتجاوز الحالي إلى ما هو قادم... وتحشد له من الاستعداد مداداً يعين على امتلاك زمام المبادرة فيه... إنه الوالد القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي يوافق اليوم مرور عشر سنوات على تولّيه الحُكم...

عشر سنوات هي لمن يقيسون العُمر بالسنين طويلة، وإنما لمن يحسبونه بالإنجازات فمازالت في نظر قائد مُلهم، مُحبٍ لوطنه وفيٍّ لشعبه قليلة... فسقف الطموحات بلا حدود ويزيد معها الأمل نحو غدٍ ينعم فيه كل من يعيش على أرض الإمارات بمزيد من الخير والعزة والرخاء.

إن من يعايش مدرسة القيادة التي أسسها محمد بن راشد لا شك أنه يحتاج أعماراً فوق عمره ليحصي كل ما فيها من دروس وعِبَر... ولكن أود اليوم أن أتطرق إلى ركن مهم من أركان هذه المدرسة وهو الاهتمام الذي يوليه سموه للشباب، والثقة التي يوليها إياهم في مختلف المواقع وفي شتى المجالات..

. انطلاقاً من قناعته الكاملة بقدرة الشباب على الأداء والنهوض إلى مستوى طموحات القيادة والاضطلاع بواجباتهم نحو الوطن الذي وفّر لهم كافة أسباب التميز والنجاح وأعطاهم الفرصة كاملة لإثبات جدارتهم أن يكونوا في طليعة ركب التطوير والتنمية في دولتنا.

فمنذ سنوات مضت وفي عشية أحد الأيام، وعلى مائدة العشاء التي اعتدنا أن نلتف فيها حول الوالد، وجّه إليّ سموه سؤالاً حول أثر التكنولوجيا في حياة الناس، وكيفية الاستفادة منها في تحقيق سعادتهم وراحتهم، وكنت آنذاك في سن مبكرة، وكانت ثورة المعلومات في بدايتها، وكان العالم على مشارف مرحلة جديدة رأى القائد محمد بن راشد أن التكنولوجيا، خاصة في مجال الاتصالات والمعلومات، سيكون لها شأن كبير في تغيير وجه العالم كما نعرفه.

وتجاذب سموه معي أطراف الحديث حول ما عرفه العالم آنذاك من تطورات تكنولوجية ما هو منها متخصص وما هو في متناول الناس وضمن حياتهم اليومية، وطلب مني سموه أن أمر عليه في وقت مبكر من صباح اليوم التالي في مكتبه، كعادته دائماً في بدء يومه مبكراً، لمناقشة مشروع استراتيجي مهم أراد أن يكلفني بالإشراف عليه، ورفض أن يفصح لي عن اسم هذا المشروع، واكتفى بوصفه بأنه غير تقليدي وله أثر كبير في تغيير الواقع الاقتصادي لدبي ودولة الإمارات وربما المنطقة بأسرها.

وأمضيت ليلتي وأنا مشغول البال، أفكر في هذا المشروع الحيوي الذي ستُوكل مسؤوليته إلي، وما علاقته بالحوار الذي دار بيننا حول مستقبل التكنولوجيا وأثرها في الحياة... إنه اختبار حقيقي يضعني سموه أمامه، ولكنني في ذات الوقت كنت مطمئناً...

لأن حصافة القائد تمكنه من فرز الأفراد وتقييم مدى قدرتهم على القيام بالمسؤوليات التي يوكلها إليهم على اختلاف مواقعهم... ومع اطمئناني كانت أيضاً سعادتي لأن ثقة سموه في الشباب كبيرة وقد حرص على ترجمتها بصورة عملية ليثبت للجميع قدرة الشباب على الاضطلاع بواجباتهم ضمن أدوار استراتيجية مهمة يشاركون من خلالها في خدمة وطنهم.

وفي الصباح، توجهت في موعد اللقاء المحدد إلى مكتب الوالد، حيث التقيته منفرداً ليكشف لي أن المشروع هو »مدينة دبي للإنترنت« التي أراد لها سموه آنذاك أن تكون ركيزة البداية لدخول دولة الإمارات إلى عصر »الاقتصاد القائم على المعرفة«، وكان هذا المصطلح في ذلك الوقت جديداً وغير متداول في الأوساط العربية، وكان الغرب في بداياته، إذ حرص سموه أن يكون لدولتنا الريادة والسبق في هذا المجال، بما استشرفه من أثر مستقبلي كبير للتكنولوجيا في حياة الناس عامة وعلى الصعيد الاقتصادي على وجه الخصوص.

أشعر بكثير من الفخر والاعتزاز بدوري في النجاح الذي وصلت إليه »مدينة دبي للإنترنت« تلك اللبنة المهمة التي أرساها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في بناء صرح اقتصاد معرفي قوي ينافس أقوى اقتصادات العالم، بل ويقدم دروساً جديدة في فنون الريادة الاقتصادية، مُستلهماً الدروس والعِبَر التي استقاها صاحب فكرة إنشاء هذا الصرح التكنولوجي الكبير من خلال معاصرته لمرحلة تأسيس اتحاد دولة الإمارات، وما واكب تلك الفترة من تحديات تحولت بفضل رؤى الآباء المؤسسين إلى إنجازات أرست أسس نجاح اقتصادي وحضاري منح دولتنا مكانتها المتميزة في مصاف أكثر الدول تقدماً وأسرعها نمواً.

تغمرني السعادة عندما أتجوّل في رحاب مدينة دبي للإنترنت وأشاهد هذا النمو الذي لم ينقطع منذ انطلاقها مع وصول عدد الشركات العالمية والإقليمية العاملة فيها حالياً إلى أكثر من 1500 شركة اختارت دبي شريكاً لها في رحلتها نحو المستقبل، وقاعدة تنطلق منها إلى آفاق أوسع من »النجاح« و»التميز« وهما الكلمتان اللتان اشتقت منهما دبي باقي مرادفات قاموسها في مسيرتها التنموية الحافلة..

وتجلّت ثمارها خلال السنوات العشر الأخيرة مع تضاعف حجم الإنجاز وتصاعد مؤشر الطموح الذي يقف وراءه بقوة وعزيمة وإخلاص قائد وَهَبَ نفسه لخدمة وطنه، وأفرد وقته للتفكير في كل ما فيه صالح الوطن الغالي وشعبه الكريم وصولاً إلى أعلى المراتب وتحقيق الرقم »واحد«.

واليوم، نواصل بفضل هذه الرؤية التي طالما تجاوزت حدود الواقع إلى آفاق المستقبل الرحبة، مسيرة العمل والتطوير، مسترشدين فيها بمكونات هذه الرؤية وما تحمله من طموحات وآمال انتقلنا معها من مرحلة إرساء دعائم قاعدة اقتصادية تقوم على المعرفة إلى مرحلة »المدينة الأذكى عالمياً« ومن »الحكومة الإلكترونية« إلى عصر »الحكومة الذكية«...

والقادم أكثر وأكبر أملاً وأرحب طموحاً، إذ نجدد العهد لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قائداً لمسيرة نهضتنا، والوعد بمواصلة العمل لاكتشاف المزيد من فرص جديدة نرقى من خلالها بدولتنا إلى أسمى مراتب العزة والازدهار، وأن نكون دائماً على قدر المسؤولية التي حمّلنا إياها سموه تجاه وطننا وشعبنا الكريم.

Email