الشيخ محمد بن راشد... ومواقف حاسمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في البداية عندما شرعت في كتابة هذا المقال، وقبل أن أضع عنواناً له، قلت لماذا لا يكون العنوان، هو، محمد بن راشد، وعشرة أعوام زاهية، بمناسبة مرور عشرة أعوام على توليه الحكم في دبي..

ولكن أعواماً عشرة أو أي عدد رقميّ معين تقصر عن إعطاء هذا الزعيم الشيخ محمد بن راشد حقه، لأن هذا الحق من السعة بحيث يحتاج إلى سفر كامل، محمد بن راشد هو اليوم محور لأي حديث يتعلق بالإبداع والابتكار في الإنشاء والبناء وتتناوله بالإعجاب ألسِنةُ الناس في العالم من مشرقه إلى مغربه، كما أن قاموس محمد بن راشد للعمل الابتكاري والإبداعي مليء تتوالى بياناته واحداً تلو الآخر..

وجديد يومه يزاحم أمسه، إذن أنا أمام ازدحام وحشد من الأقيام المضافة، قيمة بعد أخرى، وفي النهاية رأيت أن أضع لمقالي هذا عنواناً يشير إلى إدارة محمد بن راشد في وقت حدوث أزمة أو مشكلة تقعان في المجتمع، وكيف يتصدى لمواجهتها هذا الراعي ذو الكفاءة العالية، واختصرت عنوان الموضوع إلى، الشيخ محمد بن راشد، ومواقف حاسمة..

والحقيقة أن مبادئ الحسم والكفاءة في إدارة دفة الأمور تترسخ في صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وهو لم يزل في مقتبل العمر، في العشرينات من عمره، وإذا جاز أن أضع نفسي بين المتابعين المخضرمين من الشهود على الأحداث خلال الخمسين سنة الماضية فإني بالفعل أحد هؤلاء الذين وقفوا يشاهدون عن كثب ما تمر به أحداث ووقائع في الإمارات بصفة عامة وفي دبي بصفة خاصة..

وقد ظهرت أولى بوادر الكفاءة والمقدرة على الحسم عند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، مما جعل أعناق الناس تشرئب إليه، يوم وقوفه الوقفة الحازمة أمام طغيان ضابط شرطة إنجليزي جاء به الإنجليز عام 1959-1965، ليتولى قيادة الشرطة في بدايات تكوينها، وكان من الذين تربّو على يد الإدارة البريطانية الهندية الاستعمارية..

ويومها كان الإنجليز أو بالأحرى السلطة العسكرية الإنجليزية ويمثلها المعتمد البريطاني هم أصحاب الحول والطول، والمخضرمون من أمثالنا يتذكرون ما كان عليه هذا الضابط الإنجليزي واسمه (لوريمر) من صلف وعتو وإهمال في الواجب، وهنا رأى محمد بن راشد أنه من غير اللائق لدبي أن يكون مدير شرطتها هذا الضابط، فأصر على إقالته، وتمت هذه الإقالة في حزم وحسم متناهيين..

وجاءت حادثة أخرى ظهرت فيها بجلاء مقدرة محمد بن راشد على حسم الأمور واتخاذ القرار المناسب، عندما تولى إمارة الجيش في بداية تكوين الدولة، وكان هناك أفراد من الشباب مغرر بهم من قبل قوى راديكالية متطرفة من الخارج، وألقي القبض على هؤلاء الشباب وأودعوا المعتقل تمهيداً لمحاكمتهم، فقرر محمد بن راشد أن يجتمع بهؤلاء الشباب الذين كانوا جزءاً من الوطن وجلس معهم في جلسات مفتوحة وقرر العفو عنهم وإطلاق سراحهم ليعودوا ويكونوا مواطنين صالحين، وكان هذا الإجراء بمثابة علاج ناجع لم يكن لينجح لولا حكمة هذه الشخصية الكبيرة، شخصية محمد بن راشد وحُسن إدارته وبُعد نظره..

ومن الحوادث ذات الأبعاد الواسعة الخطورة في تاريخ الدولة، دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي ما زالت في سن الطفولة الغضة، ولم يمض سوى عام وبضع عام على ولادتها، حادثة استشهاد الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة السابق وعضو المجلس الأعلى، وكان استشهاده أليماً ومليئاً بالتراجيدية المؤثرة في النفوس، وكان الشيخ خالد رحمه الله من الرجال الصالحين الذين تركوا بصمات مضيئة على تاريخ الشارقة ومن الرجال الذين ساهموا في تكوين الدولة الفتية، دولة الإمارات العربية المتحدة..

ونعود إلى الشيخ محمد بن راشد الذي كان وزيراً للدفاع حينئذ، ووقفته الحازمة في إخماد هذه الفتنة بصورة لا يقوم بها إلا أصحاب العزائم القوية وأولو العزم من الزعماء، وكان هذا الموقف موضع تقدير من الشيخ زايد رحمه الله وإخوانه الحكام، ولهذه الحادثة قصة لا يسع المقام الإتيان على ذكرها في هذا المقال..

ولا تقتصر الحوادث على ما تم ذكرها في وقائع الحوادث الثلاثة التي أتيت على ذكرها باختصار، وهناك من الحوادث ما تعتبر دروساً نستطيع الاسترشاد بها وتقديمها للجيل الجديد من أبنائنا لكي تكون لهم علائم في طريق السير نحو المستقبل، وفي علامات وإشارات يقف محمد بن راشد في طلائعها بشموخ، ويسجل اسمه في سجل كبار رجالات الفكر والنبوغ في البناء والتعمير والقيادة الحكيمة والحاسمة، وهنا نردد مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله، شكراً، محمد بن راشد.. عشر سنوات تميز فيها بفلسفة حكومية فريدة وقيادة نوعية.

 

Email