قصة «المناخ» بين التوصيات والتنفيذ

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدى إحدى وعشرين سنة دأبت الأمم المتحدة على عقد مؤتمر عالمي حول المناخ، كان آخرها في باريس انتهى في الثاني عشر من ديسمبر المنصرم. المؤتمر ناقش ما سمي «اتفاقية باريس» حول التغيرات المناخية..

وهو نص جرى الاتفاق عليه من قبل 196 جهة شاركت في المؤتمر على أن يصبح ملزماً إذا وافقت عليه ما لا يقل عن 55 دولة تشكل انبعاثاتها من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري 55% مما يبعث من هذه الغازات عالمياً، على أن يجري التوقيع على الالتزام بذلك في نيويورك في الفترة الواقعة بين أبريل 2016 وأبريل 2017.

خلاصة الاتفاق هو اتخاذ الوسائل والأساليب اللازمة لعدم السماح بارتفاع درجة حرارة الأرض عن درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل العصر الصناعي، ولتحقيق ذلك ينبغي أن يصبح انبعاث الغازات التي تسبب بالاحتباس الحراري مساوياً للصفر في النصف الثاني من هذا القرن.

درجة الحرارة تتغير حين نتحرك عمودياً مبتعدين عن سطح الأرض أو نتحرك أفقياً من موقع إلى آخر، وهي تعتمد أيضاً على الوقت الذي تقاس فيه في اليوم أو في الشهر أو في السنة، إلا أنه جرى الاتفاق على اعتماد معدل لذلك، فوفق ما هو معتمد لدى وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» فإن معدل درجة حرارة الأرض، اليابسة والمحيطات، يبلغ 15 درجة مئوية.

عام 2014 شهد ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض بمقدار (0.69) درجة مئوية عن معدل درجة الحرارة لسنوات القرن العشرين، وهو رابع أعلى ارتفاع على مدى 135 سنة منذ عام 1880..

حيث بدأ التسجيل لمعدلات درجات الحرارة لأول مرة. هذا الارتفاع يعزى إلى تلوث الهواء الأكثر خطورة من بقية التلوثات سببه محطات إنتاج الطاقة الكهربائية والمصانع المنتشرة في كل مكان وعوادم المركبات التي تلفظ إلى الجو مختلف أنواع الغازات غير الصديقة للبيئة ولصحة الإنسان.

إلا أن نسب التلوث تختلف من بلد لآخر وتكون أكثر وضوحاً في المدن الكبيرة. وفي الوقت الذي يوجد فيه إجماع على ضرورة الحد من هذا التلوث ترفع جهات عديدة في المجتمع التساؤلات حول كيفية تنفيذ ذلك. إن آلية الحد من التلوث في معظم دول العالم قد اتخذت هيئة لوائح تفصيلية حول المنتجات التكنولوجية.

ومع أن عشرين مؤتمراً دولياً حول المناخ والتغييرات المتوقعة فيه شهدتها العشرون سنة المنصرمة إلا أن ما تحقق على أرض الواقع دون مستوى الطموح بكثير فنسب التلوث لا تزال مرتفعة في كل مكان تقريباً..

وقد وصلت مستويات التلوث في بعضها درجات خطيرة، فهناك مدن صينية بينها العاصمة بيجيبن مغطاة بطبقة سميكة بما يعرف بالضباب الدخاني، كما أن مستوى تلوث الهواء لا يزال مقلقاً في بعض المدن الأوروبية مثل لندن وباريس وروما ونابولي.

فما هي حظوظ اتفاقية باريس، وهل ستكون مختلفة عن حظوظ توصيات المؤتمرات المناخية التي سبقتها؟. صحيح أن مستويات التلوث قد تراجعت في أوروبا بعض الشيء وأصبح الهواء أكثر نظافة عن ذي قبل إلا أنه لا يزال مسؤولاً عن «وفاة قبل الأوان» لما يزيد على الأربعمئة ألف شخص سنوياً حسب تقرير المفوضية الأوروبية للبيئة لعام 2015.

تنفيذ هذه التوصيات يتطلب أن يرتقي صناع السياسات إلى مستوى التحدي لأن ذلك يتطلب اتخاذ قرارات قد تلحق أضراراً بمصالح الكثير من الشركات ذات النفوذ السياسي الواسع التي تضع مبدأ الربح على رأس أولوياتها بغض النظر عما يجري للبيئة وللناس فيها من أضرار، يحتاج إلى لوائح تلزم الأنشطة الاقتصادية بالتقيد بها ويحتاج إلى التشديد في اللوائح المعمول بها حالياً.

فعلى المدى القريب فإن الحد من التلوث يتطلب التنازل عن مكتسبات اقتصادية وهو غالبا ما يتحفظ عليه السياسيون، فعلى سبيل المثال اختلف وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن مع رئيسه عام 2001 حول الموقف من توصيات مؤتمرات المناخ حين أعلن «لن ننقذ الكوكب بإغلاق مصانع الصلب والألمونيوم والورق».

فهناك دعوات من العديد من ساسة أوروبا إلى تخفيف المعايير التي وضعها الاتحاد الأوروبي لتنظيم الانبعاثات السامة من المصانع التي لا تزال تستخدم الفحم على الرغم من أن هذه المعايير أقل صرامة من المعايير الصينية وفقاً لتقارير منظمة السلام الأخضر، بل ذهبت بعض دول الاتحاد مثل هنغاريا إلى أبعد من ذلك حين طالبت بإلغاء كامل لهذه المعايير.

تعمد الدول في وضع لوائحها الخاصة بالحد من التلوث آخذة بنظر الاعتبار أن الحالة المثلى هو أن يكون هناك توازن بين الكلفة التي يتحملها المجتمع من جراء التلوث وبين المنفعة المادية المتأتية له من الأنشطة الإنتاجية لمختلف البضائع والخدمات. بالطبع من الناحية النظرية يمكن وضع رسومات بيانية وجداول رقمية للتدليل على ذلك إلا أنه من الناحية العملية من الصعب جداً تحديد حجم التقارب بين مستوى التلوث ومستوى المنافع.

من المستبعد أن يصار إلى تنفيذ اتفاقية باريس، وذلك لأن التلوث نتاج طبيعي للأنشطة الاقتصادية المختلفة، إلا أنه من غير لوائح صارمة تحدد ذلك ورقابة دائمة لمواقع الأنشطة الإنتاجية، فإن معظم الشركات لن تأخذ بنظر الاعتبار هامش الكلفة التي تقع على عاتق المجتمع من جراء التلوث، وتعمل على الوصول به إلى مستويات عالية تؤدي إلى تخريب البيئة لزيادة أرباحها.

 

Email