تراجع ألمانيا الحديثة

ت + ت - الحجم الطبيعي

استقرار ألمانيا السياسي ونفوذها الاقتصادي منحا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حتى وقت قريب سلطة وتأثيراً عالمياً غير مسبوقين.

ألمانيا ما بعد الحرب أصبحت قوة مالية كبيرة جداً بالنسبة إلى أوروبا ودولة مثالية. وتنسب إلى عملها الشاق والكفاءة التي أبدتها معجزتها الاقتصادية المتواصلة. ويحظى بتقدير أقل كيفية استغلال ألمانيا بذكاء إطار العمل التجاري في سوق الاتحاد الأوروبي. والنتيجة هي أن ألمانيا وحدها اليوم تقرر المستقبل المالي لدول الاتحاد الأوروبي الجنوبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط.

ألمانيا أيضاً عينت نفسها وسيطاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والاتحاد الأوروبي. وقللت المستشارة انجيلا ميركل من طموحات روسيا العسكرية من خلال إقناعها بتجارة ألمانيا المربحة.

وبالنسبة إلى القيادة الصعبة، فإن سيدة ألمانيا الحديدية ميركل تغلبت على سمعة رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر. ولكن مع صلاحيات أكبر على المستوى العالمي وبفهم أوسع للعدالة الاجتماعية.

قرار ميركل الكارثي بفتح حدود ألمانيا وأوروبا أيضاً ينم عن أنانية وتفكير انتحاري. آلاف المهاجرين يتزاحمون في أوروبا. وسذاجة ميركل لا يمكن أن تغلف من خلال العمل الإنساني، بالنظر إلى أن كثيراً من المهاجرين صغار في السن، ورجال عازبون أتوا من الشرق الأوسط إلى أوروبا لا كلاجئين سياسيين وإنما كباحثين عن فرص.

ألمانيا كانت أكثر حدة في نقاشاتها المالية مع دولة اليونان عما كانت عليه مع مهاجري الشرق الأوسط. وعلمت ألمانيا اليونان أن اقتراضها المتهور لا يمكن أن يقوض الاتحاد الأوروبي. ولكن ألا تشبه هذه الأنانية ما تقوم به ألمانيا الآن؟ وبالنظر إلى إلحاح ألمانيا بأن تأخذ مزيداً من المهاجرين ودعوتها لمزيد من المهاجرين إلى العبور إلى الدول المجاورة، فإن الدول الأكثر فقراً ستتحمل معظم التكاليف.

وبالنسبة إلى دولة شبه اشتراكية فإنها تهتم بشكل قليل على نحو غريب بإغلاق محطات الطاقة النووية والتي تعمل بالفحم ودعمت مولدات الرياح والطاقة الشمسية غير الكفء، وأثقلت كاهل الطبقات العمالية بتكاليف الطاقة المتزايدة.

وتفاخرت ألمانيا أيضاً برأسماليتها الرحيمة، وهي خليط من المشاريع الخاصة والأبوية التي تحقق الربح الوفير وإعادة توزيع العائد المادي بشكل أكثر عدالة بين أفراد شعبها. إلا أن أزمة شركة «فولكس فاغن» أكد أن رأسمالية الدول قد تشجع الناس بشكل أكبر على كسر قوانين الشركات عوضاً عن أنانية اقتصاد السوق الحرة الأميركية.

ألمانيا أصبحت أكبر قوة بين دول أوروبا لأنها أوجدت اقتصاداً أوروبياً كبيراً. الدول السابقة في حلف «وارسو» والكثير من دول الاتحاد السوفييتي السابقة تبيع موارد أولية لألمانيا، وفي المقابل تشتري البضائع المصنعة في ألمانيا لقاء أن تحميهم برلين من اعتداءات فلاديمير بوتين.

إلا أن العوائد المادية يمكن أن ترجح على المبادئ الألمانية. ومن الواضح أن الأمر الوحيد الذي قد يوقف بوتين عن غزو مزيد من الدول ليس تخفيف العقوبات التجارية الألمانية ولكن السماح للقوات الأميركية بالتمركز في ألمانيا لمواجهة روسيا.

المعضلة الألمانية اليونانية وأزمة المهاجرين وأزمة شركة فولكس فاغن واعتداء بوتين تظل أموراً تذكرنا بأن النوايا الحسنة التي تذكرنا بها ألمانيا يغطي عليها اهتمام ألمانيا بذاتها، وهذه تجربة مألوفة للغاية.

 

Email