نحن جميعاً روس

ت + ت - الحجم الطبيعي

فى صبيحة اليوم التالى لأحداث 11 سبتمبر عام 2001، أى الثاني عشر منه، صدرت صحيفة «لوموند» الفرنسية وهي من كبريات الصحف الأوروبية والعالمية بعنوان رئيسي «نحن جميعا أميركيون» وهي الترجمة العربية للعنوان باللغة الفرنسية «Nous Sammes tous، والمعنى واضح يعبر عن التعاطف Des americains».

مع شعب الولايات المتحدة الأميركية ومواطنيها ضحايا هذا الحادث الإرهابي الإجرامي واعتبار أن هؤلاء الضحايا ليسوا فحسب ضحايا الولايات المتحدة الأميركية بل ضحايا فرنسا وأوروبا والعالم أيضا، وهو عنوان بالغ الدلالة فى عمق التعاطف مع ضحايا الإرهاب الإجرامي.

ولا شك أن حادث الطائرة الروسية التي انفجرت فى سيناء وراح ضحية الانفجار ما يفوق المائتين من المواطنين الروس الأبرياء يحملنا على الاقتداء بصحيفة «لوموند» والقول «بأننا جميعا روس» تعبيرا عن تعاطفنا ومواساتنا للشعب الروسي وضحاياه، والتأكيد أن هؤلاء الضحايا من المواطنين الروس ليسوا فحسب ضحايا روسيا الاتحادية بل هم ضحايانا أيضا ونكن لهم أعمق مشاعر الحزن والمواساة.

ولا يعني ذلك بحال من الأحوال استباق نتائج التحقيق فى حادث الطائرة والقول بأن الحادث كان نتيجة عمل إرهابي كما سارعت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية إلى ذلك خلافا لما استقر عليه العرف والعمل والتضامن الدولي فى هذا النمط من كوارث الطيران.

ولا شك أن المواقف الدولية التي عبرت عنها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية وغيرها إزاء حادث الطائرة الروسية قد خرجت عن سياق المألوف والممارسات المعتادة والتقاليد الدولية إزاء هذا النمط من كوارث الطيران لأسباب عديدة يجئ فى مقدمتها استغلال الحادث لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بنظرتها لما حدث في مصر فى الثلاثين من يونيو عام 2013 .

والثالث من يوليو عندما تم إنهاء حكم الإخوان المسلمين ووقف الخطة الدولية لتسهيل مهمة سيطرة الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية على مقدرات مصر والمنطقة ومن ثم السخط على مصر ورئيسها لأنها أوقفت هذه الخطة.

من ناحية أخرى فإن توصيف مواقف هذه الدول على هذا النحو يستند أيضا إلى تجاهل الفاجعة الإنسانية للطائرة المنكوبة وضحاياها وإهمال التقاليد الدولية المعمول بها فى مثل هذه الأحداث مثل تبادل المعلومات والتنسيق بين الجهات المعنية.

حسابات السياسة والمصالح الضيقة طغت على حسابات الأخلاق والإنسانية بشكل واضح لا لبس فيه، بل تعدى ما كان يمكن أن يتصوره أي عاقل في ظل الحديث عن القيم الكونية والعالمية والإنسانية المشتركة، غلبت على المواقف نزعات تصفية الحسابات والانتقام والشماتة..

لأن روسيا التي ينتمي إليها الضحايا تبحث عن مكانتها ومصالحها وتقاوم الإرهاب مقاومة فعالة داخل وخارج أراضيها ولأنها كسبت العديد من النقاط فى جولاتها مع الغرب فى أوكرانيا والقرم وجورجيا وأوسيتيا الجنوبية وفي سوريا أيضا..

ولأن مصر قطعت الطريق على مخطط سيطرة الإسلام السياسي وجماعاته المختلفة على مقدرات المنطقة وحالت دون تفتيت الدولة المصرية وجيشها، من ثم فالدولتان التي ينتمي إليها الضحايا وتلك التي وقعت فيها الحادثة ليسوا على وفاق مع الرؤى والتصورات الغربية لإدارة شؤون العالم والشرق الأوسط.

«نحن جميعا روس» تعبيرا ليس فقط عن عمق أحزاننا ومواساتنا للشعب الروسي وضحاياه الأبرياء بل كذلك تعبير عن عرفان للاتحاد السوفيتي السابق ولروسيا الاتحادية وريثته عن مواقفهما إزاء قضايانا سواء الداخلية والخارجية على حد سواء طوال هذه العقود المنصرمة فلم يبخل الاتحاد السوفيتي السابق ولا روسيا الاتحادية حاليا علينا بالدعم والسلاح والمؤازرة الدبلوماسية والسياسية ولا الدعم العلمي والتكنولوجي، ومن ثم فنحن نعتبر هؤلاء الضحايا ضحايانا.

 

Email