الحل الانتقالي الجديد في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيد المقترح الفرنسي بعقد مؤتمر دولي للسلام في سوريا، فتح ملف الحل الانتقالي، ولكن بمنظور مختلف عما كان عليه الحال بالنسبة للمحاولات السابقة التي جرت في مؤتمري جنيف.

فرحيل بشار الأسد لم يعد شرطاً مسبقاً للمفاوضات، وتحديد الأطراف المشاركة لم يعد قيداً، والهدف لم يعد إسقاط النظام ونقل السلطة للمعارضة، وإنما تدمير «داعش» وتسوية سياسية في سوريا، على أن يتم ذلك من خلال مؤتمر تشارك فيه كل البلدان التي تريد السلام في البلاد.

الفكرة جاءت على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في بروكسل، وعنوانها، تنظيم مؤتمر دولي جديد للأمم المتحدة حول سوريا. ومع أن الفكرة جاءت مقتضبة، ولم تفصح فرنسا عن تفاصيلها، إلا أن تصريحات معينة من هولاند ووزير خارجيته، لوران فابيوس، أتاحت بعض التوضيحات، التي يمكن أن يستدل من خلالها على بعض الجوانب المهمة المرتبطة بها.

فالرئيس الفرنسي قال في القمة الأوروبية الطارئة، بخصوص أزمة اللاجئين السوريين، إن «كل الذين يمكنهم المساهمة في إيجاد حل سياسي في سوريا، عليهم أن يجلسوا حول الطاولة..

هذا كان المبدأ في مؤتمر جنيف، وأنا أدعو إلى مؤتمر جديد، يتيح لكل البلدان التي تريد السلام في سوريا، المشاركة فيه». وكان هولاند اتفق مع ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، على ضرورة تفعيل عملية السلام في سوريا.

أما وزير خارجية فرنسا، فقد فجر مفاجأة، عندما قال إن تنحي الأسد لا يمكن أن يبقى مطلباً مطلقاً لا يقبل التغيير، وإلا، فإن الأوضاع في سوريا سوف تؤول إلى ما يعانيه العراق بعد انهيار الجيش والدولة فيه. ثم أدلت المستشارة الألمانية ميركل بدلوها، عندما قالت إن بشار الأسد يجب أن يشارك في أي مفاوضات تهدف إلى حل الأزمة السورية..

مشيرة إلى أن مسار الحل لا يجب أن يترك فقط لكل من الولايات المتحدة وروسيا، ولكن يجب أن يكون مع شركاء إقليميين مهمين. أما وزير الخارجية جون كيري، فكان قد سبق هؤلاء جميعاً، بالتلميح إلى أن مسألة الإصرار على تنحية الأسد، لا يجب أن تكون عقبة.

ولا شك أن هذه المواقف الغربية تشكل تغييراً جوهرياً في مسار البحث عن حل سياسي للأزمة.

إن قراءة تلك التحولات، يمكن أن تقودنا إلى استنتاج عدد من الملاحظات. الأولى، أن هذا التحول ما كان يحدث أيضاً، لولا الفشل العسكري للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش»، وبات التنظيم يهدد أوروبا، بقدرته على تجنيد أعداد كبيرة من الأوروبيين، وإمكانية تصدير بعضهم إلى قلبها. روسيا من جانبها، رأت أن التنظيم يمكن أن ينقل نشاطه إلى جنوبي أراضيها، وهو ما دفعها للتدخل العسكري.

والملاحظة الثانية، تتعلق بانفجار أزمة اللاجئين السوريين داخل أوروبا، وهى الأزمة التي نتجت تلقائياً عن وجود «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية، واستمرار بقاء الأزمة على حالها لسنوات. ووجدت القارة البيضاء نفسها في موقف لا تحسد عليه، حيث يتعين عليها استقبال اللاجئين، وتوفير حياة كريمة لهم.

الملاحظة الثالثة، تتعلق بالجديد في المقترح الفرنسي. هنا، تسقط بعض الشروط الغربية التي ارتبطت بجنيف (1)، القائم على حل انتقالي للسلطة، بمشاركة من النظام، ولم يوضح تماماً مسألة مشاركة الأسد من عدمها. ووقتها فشل المؤتمر لسببين، أحدهما يتعلق بالرئيس السوري نفسه، الذي لم يكن مقتنعاً بأي تلميح لإبعاده عن السلطة..

والسبب الآخر يتعلق بإصرار الأطراف الغربية، على ألا يكون هناك أي دور للأسد أو لإيران. الآن يجرى تجاوز العقبتين، حيث يجري الحديث عن التخلي عن الشرط المسبق بخصوص إقصاء الأسد، كما أصبحت مشاركة إيران واضحة لا لبس فيها.

وأما الملاحظة الرابعة والأخيرة، فتتعلق بتغير الأهداف، فلم يعد المسار السياسي المفترض للأزمة منصباً على إسقاط النظام، وإنما العمل المشترك للقضاء على «داعش» والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية. ولا شك أن تغيير الأهداف يعيد رسم المشهد السوري بصورة كاملة.

Email