معاناة السوريين عبر الحدود الأوروبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال إخواننا السوريون يعيشون معاناة ومأساة تتفاقم يوماً بعد يوم، فبعد أن ضاقت عليهم أرضهم، وفقدوا مأواهم ومع غياب أبسط مستلزمات الحياة الكريمة، قرروا الهجرة والبحث عن بلدان بديلة، هرباً من بطش النظام والإرهابيين وبعد حرمانهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء في إطار سياسة تعذيب جماعي.

توافد اللاجئون فرادى وجماعات إلى الدول المجاورة، كتركيا ولبنان والأردن، وتزايد عددهم بشكل كبير دفع هذه الدول إلى التضييق عليهم وتقليص المساعدات أو إلغائها، وهذا ما دفع اللاجئين للبحث عن منافذ أخرى، فحزموا أمتعتهم وانتشروا في بقاع الأرض، وما كان أمامهم سوى قوارب الموت نحو القارة العجوز برعاية كبار المهربين، أو تجار البشر.

وعلى متن هذه القوارب الحالمة بالوصول إلى بر الأمان، مزيج من البشر كباراً وصغاراً ونساء يخوضون عرض البحر، ثم سرعان ما تبدأ القوارب بالاستغاثة وطلب النجدة، بسبب حمولتها الزائدة وحالتها المتهالكة، فتغرق أو تنقلب في البحر، بسبب اختلال توازنها، ويغرق معها اللاجئون وأحلامهم وطموحاتهم.

قصة الطفل إيلان، البالغ من العمر ثلاث سنوات، الذي أثارت صورته ضجة كبيرة حول العالم، حيث كان غريقاً ممداً على بطنه في رمال شاطئ بودروم التركية، تجسد تلك المأساة حيث كان مع شقيقه ووالدته، ضمن مجموعة من المهاجرين السوريين، الذين غرقوا عندما انقلب بهم القارب، فصعقت صورة إيلان العالم وأعطت بُعداً آخر لمعاناة اللاجئين.

ورغم ذلك لم يتوقف تدفق المهاجرين على أوروبا، ولا تزال قصصهم تثير أوجاع العالم، حيث نتابع بشكل شبه يومي تقارير عن غرق عدد منهم في عرض البحر. فيما قرر بعضهم السير على الأقدام إلى مدينة أدرنة التركية أملاً في الوصول إلى أوروبا، عبر أراضي اليونان وصربيا والمجر والنمسا، ثم إلى ألمانيا أرض الأحلام، في مشهد مأساوي يحسد طوفاناً بشرياً عبر الأسلاك الحدودية الشائكة..

ومنهم من يزال عالقاً في على الحدود في أوضاع مزرية، بعد أن أغلقت دول غرب أوروبا أبوابها أمامهم.

وتفاقمت مأساة الحالمين ببلوغ الفردوس الأوروبي بمقتل العشرات منهم، واتسعت رقعة العنف والاضطهاد في الكثير من الدول المستقبلة، التي سعت على فرض قوانين وإجراءات صارمة للحد من تدفق المهاجرين عليها، كما اختلفت دول الاتحاد الأوروبي في ما بينها بطريقة واضحة، بسبب استمرار تدفق السوريين..

ففيما تستقبلهم ألمانيا بالترحاب هم يصطدمون في الجنوب بعناصر الشرطة المجرية على الحدود مع صربيا، حيث يعانون ظروفاً صعبة بعد أن نصبت السلطات المجرية أسلاكاً شائكة لمنع تدفقهم، وتم احتجاز المئات منهم واستخدام الغاز المسيل للدموع ضدهم.

وأعلن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان رفض بلاده الصريح السماح للاجئين بالعبور إلى ألمانيا، ودعاهم إلى البقاء في تركيا، مشيراً إلى أن أغلبيتهم من غير المسيحيين وهم يمثلون ثقافة مختلفة عن بلاده، محذراً مما اعتبره المساس بجذور الهوية الأوروبية.

بالمقابل، مدت الحكومة الصربية يد العون للاجئين، وأقامت مخيماً لمعالجة الجرحى والمرضى الذين أصيبوا بعد ساعات من الانتظار تحت المطر أو جراء المشي لمسافات طويلة. أما في ألمانيا..

فقد رحب المواطنون الألمان بوصول المهاجرين واستقبلوهم بحفاوة في محطات القطارات في أنحاء البلاد، كما أكدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أن بلادها على استعداد لاستيعابهم، وتعهدت بإنفاق ستة مليارات يورو لدعمهم داخل أراضي ألمانيا، ودعت باقي دول الاتحاد الأوروبي إلى تحمل مسؤوليتها.

وجاء موقف فرنسا متناسقاً إلى حد ما مع جارتها ألمانيا، إذ دعت الدولتان إلى تعاط موحد مع الأزمة..

كما انتقد وزير الخارجية الفرنسي لوران فايبوس موقف بعض دول شرق أوروبا لعدم تعاونها، ودعا المجر إلى إزالة الأسلاك الشائكة التي أقامتها على حدودها، فيما قررت بلجيكا استقبال المسيحيين فقط من اللاجئين السوريين، وهو موقف يتسق مع قرار سلوفاكيا التي أعلنت بدورها أنها لن تستقبل سوى اللاجئين المسيحين على أراضيها.

هذه فقط بعض صور استقبال اللاجئين في دول أوروبا ومواقفها المتباينة، فمنهم من أبدى ترحيباً بهم، ومنهم تقاعس وتبرأ من وضعهم المأساوي.

هذا هو حال السوريون في ظل الأوضاع الخانقة والمأساوية التي تعانيها سوريا، ما اضطرهم إلى ترك أراضيهم ورزقهم باحثين فقط عن الأمان في بلاد أخرى. لقد حان الوقت لأن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليتهم تجاههم، وأن يتحد في إيجاد حل سياسي يتناسب مع الظرف الراهن، بعد أن أخفق في إسقاط نظام الأسد ورد المظالم إلى أهلها في سوريا.

 

Email