قصور التعامل مع التكنولوجيا الرقمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

توجهت مساء أحد الأيام لصرف مبلغ نقدي من إحدى ماكينات الصرف الآلي لظرف طارئ، وقمت بإجراء العمليات الضرورية اللازمة للصرف، ولكني لم أنتبه إلى أن نافذة الصرف ليست موجودة على يسار الآلة كما تعودت، ولكنها تقبع أسفل الشاشة التي يتم إجراء العمليات بها، وعندما انتبهت في اللحظات الأخيرة، كانت الماكينة قد سحبت المبلغ المصروف بعد نفاد عدد مرات التنبيه..

وأسقط في يدي وهيئ لي أني قد فقدت هذا المبلغ، حاولت ذات اليمين وذات اليسار للبحث عن مفتاح لاستعادة المبلغ، واكتشفت أن ذلك سراباً، فالماكينة ليست مزودة بمثل هذا المفتاح أو البرنامج لمواجهة هذه الحالة، وقد تمكن خبراء البنك من تصحيح هذا الخطأ.

قادني ذلك إلى التفكير في أمرين متلازمين الأول أن الذكاء الإنساني والفطري أكثر تواصلاً وأكثر تعقيداً من الذكاء الاصطناعي المبرمج، فالعقل الإنساني قادر على القيام بآلاف العمليات المعقدة التلقائية والواعية على مدار اليوم، ولا يتوقف عن العمل حتى أثناء النوم، فهو يقوم بترتيب المعلومات والمهمات وتنظيمها تمهيداً لحل المشكلات التي يواجهها الشخص..

أو المواقف التي يتعرض لها في حياته اليومية، أما الذكاء الاصطناعي فهو عملية برمجة للمعلومات يتحدد مجالها ونطاقها وطبيعتها من خلال العقل الإنساني وفاعلياته ومن ثم فهو غير قادر على مواجهة حالات طارئة؛ ليست داخلة في برمجته الأولية..

وبالطبع ليس قادراً على التواصل بالكيفيات والآليات التي تميز العقل الإنساني، أما الأمر الثاني فإن هذه الواقعة الصغيرة كانت كاشفة ربما لي ولغيري من المواطنين في الفئة العمرية نفسها، التي قاربت على السبعين عاماً.

حيث كشفت هذه الواقعة عن طبيعة الصعوبات التي واجهتها وأمثالي ورغم أني حاولت جاهداً أن أتابع ذلك وأتعامل معه وبذلت من الجهد الكثير حتى أكون «عصرياً»، ومتعاملاً مع منتجات هذه التكنولوجيا؛ إلا أن جميع أو أغلب محاولاتي قد باءت بفشل ذريع، فلم أتعلم من الإنترنت إلا تصفح بعض المواقع الإخبارية على الشاشة فقط.

المؤكد أن هذه النقطة التي أقف عندها في مواجهة التكنولوجيا الحديثة أي التقصير والقصور في التعامل معها، لا تعني البتة موقفاً عدائياً أو مناهضاً للتكنولوجيا فهذا الموقف لا وجود له، وإن وجد فهو موقف عبثي بامتياز، ذلك أن التكنولوجيا وانتشارها لا يتوقف على موقفنا منها موافقة أو معارضة ولا تنتظر هذه الموافقة أو المعارضة.

لقد غيرت التكنولوجيا معالم الحياة الإنسانية المعاصرة وسوف تستمر في تغييرها بمستويات أعلى عبر اختصار المسافات بين الفكرة والابتكار وبين تطبيقه وتحويله إلى خدمة متداولة بمقابل نقدي، لقد ساعدت هذه التكنولوجيا البشر على التواصل والانفتاح والتعلم والاقتباس وإدراك الجوانب المختلفة للحياة والعالم..

رغم بعض المساوئ مثل تقلص الاتصال المباشر وجهاً لوجه وحرارته أو افتقاد التواصل الأسري بين الآباء والأبناء، لأن الأخيرين يقضون أوقاتاً طويلة في العالم الافتراضي، وكذلك اختزال العديد من المسائل المعقدة بطبيعتها، بيد أن ذلك لا يقارن بالفوائد والعوائد غير القابلة للحصر.

فيما يتعلق بي وبأمثالي من الجيل الذي أنتمي إليه خلصت إلى أن إحدى صعوبات التكيف مع هذه التكنولوجيا، ربما يكمن في طبيعة الجهاز العصبي المركزي للإنسان، فهذا الجهاز هو هو لم يتغير ربما على مر العصور أو على الأقل النواة العصبية المركزية فيه، في حين أن التغير قد لحق بكل شيء محيط بالإنسان وجهازه العصبي، تبدلت الحياة البشرية مرات ومرات مع مختلف الثورات الصناعية المتلاحقة..

ويعاني الإنسان من تأثيراتها عليه ويبذل جهداً كبيراً في التكيف مع المعطيات الجديدة والمستحدثات في الوسط المحيط والبيئة، هل لنا أن نطرح هذا السؤال ليجيب عنه المتخصصون حول حدود قدرة الجهاز العصبي على استيعاب الجديد خاصة في عالم التكنولوجيا، أم أن ذلك ليس القاعدة بل الاستثناء، الذي يعاني منه البعض بينما لا يعاني منه الآخرون والتعميم غير ممكن.

 

Email