مشروع القناة وإحياء القيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

افتتاح الخط الملاحي المزدوج أو قناة السويس الجديدة رسمياً، عمل رائع شارك فيه عشرات الألوف من العمال والمهندسين والفنيين المصريين مدنيين وعسكريين، ليعلن بداية فتح صفحة جديدة لمصر والمصريين، مع نفسها وأنفسهم أولاً، ومع العالم من حولنا، هذه الصفحة الجديدة بحاجة لقراءة متأنية ومتعمقة لما تقوله كلماتها، وما لم تقله صراحة تستهدف هذه القراءة إبراز الدروس والعبر التي ينطوي عليها إنجاز هذا العمل والتي تنصرف إلى المستقبل.

تحفل هذه الصفحة الجديدة بالثقة والتفاؤل والأمل في مستقبل مشرق لمصر والمصريين، وتعلن استئناف مصر لدورها العالمي في التواصل مع العالم الحديث والحضارة الحديثة، وقدرتها على استثمار موقعها الفريد والعبقري، في خدمة الاقتصاد المصري والدولي والانفتاح على العالم والمساهمة الفعالة في معالجة قضاياه، يشهد التاريخ الحديث والمعاصر بأن مصر لم تنعزل عن العالم وأن ازدهارها وتقدمها يرتهن بهذا الانفتاح والتواصل.

وبصرف النظر مؤقتا عن العوائد الاقتصادية والاجتماعية لمشروع قناة السويس الجديدة والتي كتب عنها المتخصصون، فإن مشروع القناة الجديدة يمثل حلقة واحدة في منظومة متكاملة من المشروعات التي تنخرط في تنمية إقليم قناة السويس في المدى الطويل ولكنها حلقة قد تمثل قاطرة التنمية في هذا الإقليم .

وحجر الزاوية في استكمال تنفيذ المشروعات المختلفة عبر استعادة الثقة الدولية في قدرة المصريين قيادة وشعباً على بناء اقتصادهم وارتياد مجالات لم تكن مألوفة من قبل لتوسيع شرايين الاقتصاد وخلق فرص الاستثمار والعمالة وزيادة الدخل القومي، وهي الأمور التي توفر لبقية مشروعات منظومة تنمية إقليم قناة السويس فرصاً أفضل للتنفيذ والتمويل والنجاح.

تنطوي الصفحة الجديدة التي تمكنت مصر من افتتاحها وبدئها على دروس وعناصر وقيم تستعصي على الحساب الدقيق، فهي ليست عناصر وقيما مادية اقتصادية قابلة للقياس والتنبؤ، بل هي عناصر معنوية وقيمية تم إحياؤها وتفعيلها في مشروع قناة السويس ووقفت خلف هذا الإنجاز وساعدت في تحقيقه على النحو الذي رأيناه.

لقد جسد هذا المشروع إحياء منظومة القيم والمعايير التي لا يمكن الاستغناء عنها في أية نهضة اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ألا وهي قيم العمل والكفاءة والإصرار والحماس والانضباط والالتزام بقيمة الزمن والوقت وقوة الإرادة، وهي تلك القيم التي اعتقدنا رِدْحا من الزمن أنها انهارت أو تآكلت وانقرضت من فرط الجمود والفساد وضمور الانتماء الوطني طيلة عقود.

وغياب المعايير الحاسمة في التقييم والانجاز والالتزام وترك المشكلات تتراكم وانتظار أن تحل نفسها بنفسها أو تندثر من تلقاء ذاتها، وهو منهج في التفكير تواكلي وغير عقلاني ومحصلته النهائية الوقوف في المكان والزمان وهو ما يعني الجمود وافتقاد المبادرة.

استعادت هذه القيم الضرورية والتي لا غنى عنها لإنجاز أية نهضة وهجها وبريقها عبر تنفيذ الخطوة الأولى ولكنها الأساسية في مشروع تنمية إقليم قناة السويس ألا وهي قناة السويس الجديدة.

وقد لا يكون من قبيل المبالغة أن هذه القيم وإن كانت غير قابلة للقياس، إلا أنها مع ذلك لعبت دوراً حاسماً في تنفيذ هذا المشروع لا يقل أهمية عن عنصر التمويل والقيادة والإدارة والإمكانات المادية.

لقد كشف مشروع قناة السويس الجديدة عن المساحة الواسعة والكبيرة بين عطاء المصريين الفعلي وبين عطائهم الممكن، وحول هذا الاحتياطي الممكن من العطاء والعمل والجهد إلى عطاء فعلي وواقعي متجذر في الواقع، ولا شك أن منظومة القيم التي تم إحياؤها من خلال مشروع القناة الجديدة أي العمل والإنتاج والالتزام واعتبار الزمن والوقت والكفاءة وغيرها هي التي ساهمت في تحويل العطاء الافتراضي والممكن والكامن إلى عطاء حقيقي وفعلي وواقعي.

الصفحة الجديدة التي بدأت بافتتاح قناة السويس الجديدة تؤكد قدرة مصر والمصريين على دخول التاريخ مرة أخرى.

 

Email