الدولة والإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخوض مصر حرباً ضارية ضد الجماعات الإرهابية المختلفة، العدو في هذه الحرب غير مرئي وغير ظاهر، لا يحده مكان أو زمان، فهو عبارة عن خلايا نائمة ومستيقظة منتشرة بين جموع المواطنين في جميع الأنحاء، تتلقى التعليمات بالقتل والترويع، وتنفذها تحت جنح الظلام أو في ضوء النهار، لا وجه للمقارنة بين قدرات الدولة المصرية، وبين قدرات هذه الجماعات الإرهابية، فالدولة تمتلك القدرات العسكرية والأمنية والفنية والمعلوماتية الكفيلة بضمان الانتصار في هذه المعركة، وبالإضافة إلى ذلك، هي تملك ما لا يملكه الإرهابيون، ألا وهو الدعم والتأييد الكامل من المواطنين، والظهير الشعبي الذي يقف معها في هذه المواجهة.

كما أن الدولة في هذه المواجهة، تنشد تحقيق أهداف تهم كل المواطنين، وتمثل طوق أمان لهم جميعاً، تتمثل هذه الأهداف في إقرار الأمن والاستقرار، وتنفيذ خطة التنمية واستعادة مكانة الدولة وهيبتها، وهذه الأهداف تحظى بالتوافق والتراضي العام من قبل جمهرة المواطنين، في حين لا يحظى الإرهاب والإرهابيون إلا بسخط المواطنين وغضبهم، ودعم جهات استخباراتية أجنبية، كما أن أهدافهم بانت على حقيقتها في نشر الإرهاب والخراب، وتمزيق أوصال الوطن والدولة، وزرع الفتنة والروح الطائفية.

هذه الحرب وتلك المواجهة بين الدولة والجماعات الإرهابية، تتطلب الوعي برهاناتها ومقوماتها وطبيعتها، فالدولة - أي دولة - وفق جميع القوانين والشرائع، هي التي تمتلك العنف وتحتكره وتمارسه نيابة عن المجتمع في وجه الخارجين على القانون، فالدولة تمارس العنف المشروع والقانوني في مواجهة الجماعات التي تشهر السلاح في وجه الدولة والمجتمع، بينما تلك الجماعات تمارس عنفاً غير مشروع وغير قانوني، بل هدفه تخريب القوانين والشرعية، وتدمير مقومات العمران والحضارة.

الدولة في أدائها لمهمتها في مواجهة الإرهاب، تحكمها القوانين والقواعد والنظم، وتسترشد بها، في حين أن جماعات الإرهاب لا تسترشد بأي قوانين أو قيم أخلاقية، سوى الظلامية والسوداوية التي تغلف ضمائر الجماعات الإرهابية، والحال أن استرشاد الدولة بالقوانين والقواعد الأخلاقية والإنسانية، قد يبدو للكثيرين في خضم الغضب والسخط من جراء العمليات الإرهابية، عائقاً أمام تأدية ونجاح الدولة في هذه المهمة، والواقع أن الدولة لا يمكنها أن تسقط من اعتبارها هذه القوانين والقواعد التي تحكم أداءها، ولو فعلت لتلاشى الفارق بين الدولة لكيان مجتمعي يحظى بالتراضي العام، ويكفل تطبيق القانون وبين تلك الجماعات الإرهابية التي تقتدي بتقاليد عصابات المافيا، والحال أن مراعاة الدولة للقوانين واللوائح والقواعد، هو ما يجعلها دولة بالمعنى الحديث للدولة، ويبقى على الفارق النوعي بين الدولة وبين الجماعات الإرهابية.

وربما يكون من أهداف الجماعات الإرهابية هدف طمس الفارق بين الدولة وبين تلك الجماعات، أي أن تقوم الدولة بمحاكاة هذه الجماعات في أدائها وتسقط من اعتبارها القيم والقوانين التي تحكم أداءها، والسؤال الأخلاقي الأساسي الذي يثور هنا، هو مدى شرعية وأخلاقية محاكاة العدو والخصم في أدائه وممارساته، أي أن تكون ممارسات الدولة على مقياس الممارسات الإرهابية، والإجابة تتمثل في أن الضرورة الأخلاقية والعملية تستلزم الإبقاء على تميز الدولة عن تلك الجماعات.

من ناحية أخرى، فإن أداء الدولة في مواجهة الإرهاب، ليس فحسب الدولة المصرية، بل كل الدول أو معظمها، تحكمه اعتبارات تتعلق بطبيعة الدولة ذاتها من الناحية التنظيمية والبيروقراطية والنظم التي تحكم أداء مؤسساتها، فهناك البيروقراطية والتراتبية والمسؤولية الجماعية والتضامنية، وهذه الملامح وانعكاسها على طبيعة الأداء والمواجهة، قد تعوق من الفاعلية، وتحد من المبادرة والمبادأة، على عكس ما تحظى به هذه الجماعات الإرهابية من تحرر من البيروقراطية وسهولة في الحركة والتنفيذ، وبساطة التنظيم الذي تعمل في إطاره تلك الجماعات، وهو الأمر الذي يمنحها سهولة وخفة في الحركة والتنفيذ، وسرعة في الاختباء والتخفي عن عيون أجهزة الأمن.

هذه الفجوة بين أداء الدولة وتلك الجماعات الإرهابية ينبغي تجاوزها، عبر خطط واستراتيجيات تتجنب المشكلات التي تتعلق بأداء الدولة، مثل تشجيع وتحفيز عنصر المبادأة والمبادرة وتخفيف القيود البيروقراطية، ودراسة نقاط الضعف والقوة، إنْ في أداء هذه الجماعات، أو أداء الدولة، بهدف تدعيم الأداء وضمان الفاعلية، وتجنب عنصر المفاجأة وتوفر اليقظة الأمنية والاستعداد النفسي للأجهزة لخوض حرب طويلة ضد الإرهاب.

 

* كاتب ومحلل سياسي

Email