الشيخ زايد حيٌّ في قلوبنا إلى الأبد

ت + ت - الحجم الطبيعي

انقضى أحد عشر عاماً على رحيل الرئيس الأول لدولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

ما زال اليوم الذي أُعلِن فيه خبر وفاته مطبوعاً في ذاكرتي وكأنه حدث بالأمس القريب.

لقد كنت محظوظاً لأنني تشرفت بالتعرّف عليه في صباي، عندما أدركت أنه لا يتحلى فقط بقلب أسد وبالشجاعة والحكمة، إنما أيضاً بالتواضع والتعاطف مع الآخرين. لقد علّمني الكثير. كان بحق قائداً عظيماً، والساعات التي أمضيتها في حضرته ستبقى محفورة وإلى الأبد في ذاكرتي.

خلال عملي في شركة إنشاءات في أبوظبي، وقد كانت هذه من أولى الوظائف التي تسلّمتها، وخلال عضويتي في هيئة كهرباء ومياه أبوظبي، خرقت البروتوكول عن غير قصد مني، عبر طلب الدفع مقدماً لتنفيذ مشروع معيّن.

عندما كان الجميع في مجلسه يستعدّ للمغادرة، طُلِب مني المكوث لأن الشيخ زايد يريد رؤيتي. شعرت حينها بتوتر شديد، لكن بدلاً من أن يؤنّبني على هذا التصرف، تلقيت درساً في اللطف والمسامحة.

كان الشيخ زايد يترك انطباعاً قوياً لدى كل من يلتقيه. وصفه الدبلوماسي البريطاني إدوارد هندرسون بأنه «وسيم ذو عينَين ضاحكتين ومتّقدتَين ذكاءً، وصاحب حضور محبب وأسلوب راقٍ في التصرف، لباسه بسيط، ولا شك في أنه رجل عمل وقرار».

وقد أشاد به المستكشف والكاتب ويلفرد ثيسيغر، واصفهاً إياه بالدبلوماسي الماهر: «يدأب زايد بوصفه قائد أسرة كبيرة، على الجلوس للاستماع إلى مشكلات الناس ثم يجد الحل المناسب، ويسوّي الخلافات، بما يرضي الجميع، في أسلوبٍ يتّسم بالذكاء والحكمة والعدل».

على الرغم من ثروته الكبيرة ومكانته الدولية المرموقة، بقي على الدوام متمسّكاً بجذوره العربية الأصيلة، وكان يستمتع بالذهاب إلى الصحراء برفقة أصدقاء الصبا وجِماله وصقوره، فيشعر هناك وكأنه في قصره. ومع ذلك كان قائداً تقدّمياً، رجل حداثة مصمماً على حجز مكانٍ على الخريطة العالمية لموطنه الناشئ، الذي بناه بالاشتراك مع حاكم دبي، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.

لقد عمل الشيخ زايد والشيخ راشد معاً لإخراج الإمارات العربية المتحدة من الظلمة، فوضعا الأسس اللازمة لعملية تحوّلٍ، غالباً ما توصَف بـ«المعجزة».

ما تركاه لنا ليس مجرد إرث من النجاح الاقتصادي، والبنى التحتية الهائلة، والمشاريع البيئية الضخمة، والتحسّن في ظروف المعيشة. لقد طبعا الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا. علّمانا أن نرفع رؤوسنا عالياً، وأن نكون شديدي الاعتزاز والفخر بأصولنا وتراثنا وثقافتنا الفريدة، وشجّعانا على أن نكون مستقلين وراسخين في معتقداتنا فيما نحترم معتقدات الآخرين، والأهم من ذلك، عملا على تعزيز الوحدة، وكانا بمثابة الغراء الذي جمع إماراتنا السبع معاً في إطار دولة اتحادية واحدة.

العام الماضي، وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الشيخ زايد بأنه «مصدر السخاء»، وأعلن أن يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، ذكرى وفاة المغفور له الشيخ زايد، سيكون «يوم زايد للعمل الإنساني»، وذلك «تخليداً لروح العمل الخيري التي عُرِف بها الشيخ زايد، ومن أجل تعزيز ثقافة العطاء في الإمارات».

منذ أن رفرف علم بلادنا لأول مرة عام 1971، ساهمت الإمارات العربية المتحدة بأكثر من 255 مليار درهم في المساعدات الإنسانية والإنمائية، ما جعلها تحتل مرتبة متقدّمة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.

كانت عناية الشيخ زايد بشعبه، الذي يتمتع الآن ببعض من أفضل معايير المعيشة في العالم، مثالاً يحتذى به، لكنه قدّم أكثر من ذلك بكثير. لم يعرف سخاؤه حدوداً، وكان يقدّم المساعدة مجاناً، بغض النظر عن الإثنية أو العرق الذي ينتمي إليه الأشخاص.

عام 1992، أنشأ رئيسنا المغفور له مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، مع رأسمال أولي فاق المليار دولار أميركي. وعلى مر السنين، أنقذت المؤسسة أشخاصاً حول العالم، وساهمت في تحسين حياتهم من خلال الإغاثة في حالات الطوارئ، والمساكن المنخفضة الكلفة، والرعاية الصحية، والفرص التعليمية، وتطوير البنى التحتية.

وقد سار صاحب السمو رئيس الدولة، حاكم أبوظبي، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بثباتٍ على خطى والده، فأنشأ مؤسسته الخاصة عام 2007، والتي تركّز على «الصحة والتعليم على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية»، بما في ذلك حماية الأطفال ورعايتهم وتأمين مياه صالحة للشرب.

أودّ أيضاً أن أنتهز هذه الفرصة للإشادة بسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، والرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، ورئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة.

لقد منحت هذه السيدة العظيمة، في وقت سابق هذا العام، لقب «أم العرب» الذي منحها إياه الاتحاد العام للمنتجين العرب وحملة المرأة العربية. إنها وبجدارة تستحق هذا التكريم، تقديراً لمساهمتها في تمكين الأمهات والأطفال في مختلف أنحاء العالم، ودعمها للمساواة بين الرجل والمرأة في مجال الأعمال والسياسة.

لطفها يُضرَب به المثل، وللجهود التي تبذلها فضلٌ أساسي في تسلّم النساء الإماراتيات إدارة 20000 شركة، ونجاحهن في تولّي مناصب سفيرات وقاضيات ومحاميات وطبيبات وطيّارات.

ما زلت أفتقد الحضور المطمئن للمغفور لهما الشيخ زايد والشيخ راشد، الأبوَين المؤسسين، اللذين بنيا بلادنا الرائعة مدماكاً مدماكاً، وتركا أثراً عميقاً في نفوسنا.

لكنهما لم يتركانا أيتاماً نتخبّط في أجواء من عدم الاستقرار أو انعدام الأمن، بل حرصا على أن يُكمِل أولادهما الذين خلفوهما في الحكم، نهجهما القيادي، ويسيروا على الخطى نفسها. لقد رحلا، لكنهما خالدان إلى الأبد في قلوبنا وذاكرتنا، وسوف يبقى سخاؤهما وتسامحهما وتصميمهما على تحقيق مرادهما، منارةً يستنير بها الشعب الإماراتي على الدوام.

Email