المواطنة أساس كل الحقوق

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتصور أن حق الإنسان في أن يكون له وطن هو أساس كل الحقوق الدستورية الأخرى‏.‏ فمنذ أن استقرت بعض القبائل على وديان الأنهار بدأت فكرة الوطن وبدأت تتبلور بعد هذا الاستقرار، سواء على ضفاف وادي النيل أو على ضفاف دجلة والفرات، فكرة المواطنة.

ولست أعدو الحقيقة عندما أقول إن أول تدوين يمكن أن نطلق عليه وصف التدوين الدستوري كان فيما عرف في التاريخ الإسلامي باسم وثيقة المدينة التي عقدها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته من مكة إلى المدينة، واستقراره فيها هو ومن هاجر معه من المسلمين ومن أسلم معه من أهل يثرب المدينة المنورة.

ولم يكن كل أهل المدينة من ملة واحدة. كان منهم المسلمون بطبيعة الحال وربما كانوا الغالبية من السكان ولكن كانت هناك قبائل تدين باليهودية وأخرى تدين بالمسيحية إلى جوار ملل أو نحل أخرى من غير الديانات الإبراهيمية الثلاث.

وقد آخى الرسول في وثيقة المدينة بين كل المواطنين الذين كانوا يقيمون فيها أو حولها ولم يفرق في ذلك بين أبناء دين ودين أو بين أبناء قبيلة وقبيلة أو منطقة ومنطقة. وقد كانت كل هذه الأمور حواجز عالية تفصل بين الناس وبعضهم، وجاءت وثيقة المدينة لأول مرة لتهدم هذه الحواجز ولتقيم دولة المواطنة.

وقد أجريت دراسات عديدة حول هذه الوثيقة لعل آخرها رسالة دكتوراه أعدها طالب أفغاني في معهد البحوث والدراسات العربية تحت إشرافي وقد أفدت منها كثيرا. وقد عرفت المدن اليونانية القديمة المواطن بأنه الشخص الحر أما العبيد، وكان نظاما معترفا به، فإنهم لم يكونوا ضمن المواطنين.

وفي الإمبراطورية الرومانية تطورت الأمور بعض الشيء ولكن فكرة الجنسية التي تحدد على أساسها معنى المواطنة لم تنشأ ولم تعرفها الدول إلا منذ عدة قرون. ومن هنا نستطيع أن نقول إن فكرة المواطنة في وثيقة المدينة وفي دولتها كانت هي أول جذور مصطلح المواطنة.

ولكن حق الإنسان في أن يستقر في مكان معين في تلك العصور كان حقا تقرره الأعراف السائدة التي كانت تعتمد أساسا على العلاقات القبلية. ولم تعرف فكرة المواطنة بالمعنى الحاضر إلا بعد نشأة الدساتير الحديثة التي لا يزيد عمرها على قرنين إلا قليلا..

حيث نظمت القوانين الصادرة بناء على الدستور الحق في جنسية دولة من الدول وكيف تكتسب وكيف تفقد وهل يمكن أن يجمع مع الجنسية الأصلية جنسية أخرى أم أنه يمتنع ازدواج الجنسية كما تأخذ بعض القوانين.

وهناك نص يتكرر في النصوص الدستورية الحديثة في كثير من بلاد العالم وتكرر عندنا في مصرمنذ دستور1923 وحتى الآن. مضمون هذا النص هو أن المواطنين بمعنى كل من يحمل جنسية الدولة متساوون في الحقوق والواجبات. وأنه لا يجوز التفرقة بينهم في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو الجنس أو اللغة أو اللون أو المنشأ أو غير ذلك من الأسباب وفقا لما جاء في نص مشروع الدستور الجديد.

المسيحي له ما للمسلم من حقوق وعليه ما عليه من واجبات وكذلك كل من يحمل جنسية الدولة المصرية. المعيار هو جنسية الدولة. ولكن أحب أن أقول هنا إن هذه المساواة هي مساواة قانونية وهذا مهم ولكن المساواة القانونية لا تعني في كل الأحوال المساواة العادلة وأن المساواة العادلة تحتاج إلى أمور كثيرة بدأت تتبناها مواثيق حقوق الإنسان والدساتير الحديثة وبإعطاء أهمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. والأمر يحتاج إلى تفصيل آخر.

 

Email